المفاخرة بين الكوفيين والبصريين إن من يلقي نظرة في التاريخ، لا سيما في العهد العباسي الأول، يرى أن المناظرة والمفاخرة كانت رائجة بين الكوفيين والبصريين في مسائل كثيرة في الفقه والنحو والأدب واللغة وغير ذلك، الأمر الذي سبب المنافرة بين الفريقين بحيث انتمى إلى كل مذهب طائفة حتى قيل: مذهب الكوفيين ومذهب البصريين.
ويقال: إن أهل البصرة أرسخ قدما وأوسع علما وأولى بالثقة، ولكن السياسة اقتضت ظهور الكوفيين بعد قيام الدولة العباسية فقدمهم خلفاؤها، لأنهم كانوا من أنصارهم، ذلك لأنه نصروهم لما قاموا لطلب الخلافة، فكانوا يقربونهم دون البصريين ويختارون منهم أساتذة لأولادهم، فالكسائي والفراء والمفضل الضبي والشرقي بن القطامي كلهم من أهل الكوفة، وقد علموا أبناء الخلفاء ولولا الغرض السياسي لم يكن لهم ذكر، وتحامل الأمين على سيبويه في المناظرة التي عقدها بينه وبين الكسائي بشأن العقرب والزنبور، أشهر من أن تذكر (1).
وأنك سترى مما يلي، كيف يتعصب أبو العباس السفاح للكوفيين، حتى يقول بعد ختام المفاخرة: الكوفة بلاد الأدب ووجه العراق ومبزغ أهلة... الخ.
وإليك ما يلي صورة المفاخرة بين الكوفيين والبصريين، وقد أوردها ابن الفقيه في كتاب البلدان:
قال: اجتمع عند أبي العباس السفاح عدة من بني علي وعدة من بني العباس، وفيهم بصريون وكوفيون، منهم أبو بكر الهذلي وكان بصريا (2)، وابن عياش وكان كوفيا (3)، فقال أبو العباس: تناظروا حتى يعرف لمن الفضل منكم.
قال بعض بني علي: إن أهل البصرة قاتلوا عليا (عليه السلام) يوم الجمل وشقوا عصا