الكوفة في عهد ابن جبير الرحالة يصف لنا الرحالة الكبير ابن جبير (1) الكوفة في رحلته، وقد دخلها يوم الجمعة 28 شهر المحرم سنة 580 وشاهد آثارها الجميلة فيقول: هي مدينة كبيرة عتيقة البناء، قد استولى الخراب على أكثرها، فالغامر منها أكثر من العامر، ومن أسباب خرابها قبيلة خفاجة المجاورة لها فهي لا تزال تضر بها، وكفاك بتعاقب الأيام والليالي محييا ومميتا (2)، وبناء هذه المدينة بالآجر خاصة ولا سور لها، والجامع العتيق آخرها مما يلي شرقي البلد ولا عمارة تتصل به من جهة الشرق، وهو جامع كبير في الجانب القبلي منه خمسة أبلطة وفي سائر الجوانب بلاطان، وهذه البلاطات على أعمدة من السواري الموضوعة من صم الحجارة المنحوتة قطعة على قطعة مفرغة بالرصاص ولا قسي عليها، وهي في نهاية الطول متصلة بسقف المسجد، فتحار العيون في تفاوت ارتفاعها، فما أرى في الأرض مسجدا أطول أعمدة منه ولا أعلى سقفا، ولهذا الجامع المكرم آثار كريمة:
فمنها:
بيت بإزاء المحراب عن يمين مستقبل القبلة يقال: إنه كان مصلى إبراهيم الخليل (عليه السلام) وعليه ستر أسود صونا له، ومنه يخرج الخطيب لابسا ثياب السواد للخطبة، فالناس يزدحمون على هذا الموضع المبارك للصلاة فيه، وعلى مقربة منه مما يلي الجانب الأيمن من القبلة، محراب محلق عليه بأعواد الساج مرتفع عن صحن البلاط كأنه مسجد صغير، وهو محراب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وفي ذلك الموضع ضربه الشقي اللعين عبد الرحمن بن ملجم بالسيف فالناس يصلون فيه باكين داعين.