المقدمة بقلم العلامة الأستاذ الشيخ محمد رضا المظفر عميد كلية الفقه في النجف الأشرف ما أعظم تاريخ الكوفة وما أجل ما أبقته لنا من آثار أدبية وعلمية لا تنسى مدى الدهر، مصرها الإسلام في إبان نهضته الكبرى، وفي زمان كان يقفز بأجنحة من الإيمان ليحلق على العالم كله بهدايته، ويكتسح جبابرة الكفر وطواغيت الشرك، لقد كان وهو يناطح مملكة فارس العظيمة يبحث جيشه عن مقر للقيادة العامة تتوفر فيه شروط الصحة والراحة، فرحبت به هذه الأرض (أرض كوفان) وهي ضاحكة له بسمائها المجلوة، ومائها العذب، ونسيمها الساحر الذي يتألف من نسيم السواد المبلول وهبوب الصحراء الجافة، وأصبحت (كوفة الجند)... وهذا مبدأ تكونها التاريخي.
ولكن جامعها العظيم هو قلب الكوفة النابض، أو المركز الجذاب لدائرة الجند العربي، فلف حوله هذا الجند الفاتح الفخور بقوته وإيمانه، والذي يتمثل في هذه القبائل العربية، فراحت كل قبيلة تلتمس في هذا الجامع فخرا إلى فخر، أو ميزة لعزها بالاختصاص بأحد جوانب الجامع الأعظم، فأصبحت الكوفة (كوفة القبائل) أيضا، وقسمت إلى أرباعها المعروفة، كل ربع إلى جانب من الجامع تختص به عدة قبائل، وكان أحظاها هاتي التي اختصت بالجانب الشرقي أفضل جوانب المسجد، وهم قبائل اليمن، وقسمت بعد ذلك إلى محلاتها السبع.
فمرت عليها - بحكم ضرورة التقدم - أطوار العمران، من مضارب وخيم، إلى دور بنيت باللبن غير المشوي فأنشأت الشوارع والسكك، إلى دور وقصور بنيت بالآجر، وهذا حديث شيق يغري المؤرخ على البحث والتنقيب.
ولما تمصرت الكوفة على هذا النحو أصبحت مركزا للسياسة الإسلامية وعاصمة للخلافة، فمرت عليها - بتأثير مركزها - أدوار متناقضة هي جملة أدوار الإمبراطورية الإسلامية، فمنيت بحروب وحوادث محزنة ومدهشة، كل هذا ما