الكوفة في التاريخ لم يزل تاريخ الكوفة بالرغم من كثرة البحث والاستطلاع كامنا في الزوايا غير منكشف الستار، ولقد كانت الكوفة حرية بالتتبع والبحث لدى المؤرخين وأرباب الخطط، لكونها من أمهات المدن العراقية، وقد سكنها جمع كبير من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والعلماء والصالحين والأمراء والولاة والشعراء وغيرهم، وفيها من (جميع) (1) الآثار والمشاهد الكريمة ما كان حقيقا بالظهور والتعريف، ولو رام باحث أن يبحث عن جمع آثارها وتراجم من ورد إليها أو سكنها وما وقع فيها من الحوادث والوقائع، لتعذر عليه أو تعسر، غير أنا نذكر النزر القليل مما أوقفنا عليه التتبع ومما تطمئن إليه النفس وتساعد عليه القرائن، وإليك أولا طائفة من كلمات المؤرخين في سبب تمصيرها.
قال ابن حوقل (2): مدينة الكوفة قريبة من مدينة البصرة في الكبر، هواؤها أصح وماؤها أعذب، وهي على الفرات، بناؤها كبناء البصرة، وهي خطط لقبائل العرب إلا أنها خراب بخلاف البصرة، لأن ضياع الكوفة قديمة جدا وضياع البصرة إحياء موات في الإسلام.
وقال القزويني (3): هي التي مصرها الإسلاميون بعد البصرة بسنتين، يأتيها الماء بعذوبة وبرودة، وأما البصرة فبعد تغيره وفساده، وزعموا أن من أصدق ما يقول الناس في أهل كل بلدة قولهم: الكوفي لا يوفي، ومما نقم على أهل الكوفة أنهم طعنوا الحسن بن علي (عليه السلام) وقتلوا الحسين (عليه السلام) بعد أن استدعوه.