والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله، والسلام» (1).
وكان مسلم (رضي الله عنه) كبقية آل علي (عليهم السلام) رجل الصدق والصفاء ومثال الشجاعة والإيمان، فقام لأمر صهره وسيده الحسين (عليه السلام)، وما قدم الكوفة إلا وتكوفت جماهير الرؤساء لأخذ يمينه يبايعونه نائبا عن الحسين (عليه السلام)، ونزل دار المختار بن أبي عبيد الثقفي، فحضرته الشيعة واجتمعت له فقرأ عليهم كتاب الحسين (عليه السلام) الذي أجابهم به فأخذوا يبكون، وخطبت بمحضره خطباؤهم كعابس بن أبي شبيب الشاكري، وحبيب بن مظهر الأسدي، فانتهى ديوانه إلى ثمانية عشر ألف مبايع أو أكثر.
وقد كان لآل علي (عليه السلام) وفي صدورهم عتاب مع أهل الكوفة في خذلانهم الحسن بن علي (عليه السلام) واغترارهم بدراهم معاوية، لكن حسن استقبالهم لمسلم محا كل عتاب، وكفر كل ذنب، فكتب مسلم إلى الحسين (عليه السلام) بإقبال العامة وإخلاص الخاصة نادمين على ما فرطوا في جنب البيت الهاشمي، الذي كان سلطانه أنفع لدينهم ودنياهم، وحث الحسين (عليه السلام) على القدوم إلى العراق ليجدد على ربوعه معالم أسلافه، وسرح الكتاب مع عابس بن أبي شبيب الشاكري وسأله الإعجال بالقدوم عليه.
أخذت هذه القضية تحرك العزائم وتنبه المشاعر في الدوائر الأموية، وساد القلق على حلفائهم وأوليائهم، فكتب عمر بن سعد، وعمارة بن عقبة وعبد الله بن مسلم الحضرمي وأضرابهم إلى يزيد: أما بعد، فإن مسلم بن عقيل قدم الكوفة وبايعته الشيعة للحسين، فإن يكن لك في الكوفة حاجة، فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك، فإن النعمان بن بشير - والي الكوفة - رجل ضعيف أو يتضعف (2).