وأما تصديق الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله عن أبي بن خلف: أنا أقتله، فقتله يوم أحد فخرج أبو نعيم (1) من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن أبي بن خلف قال حين افتدى: والله إن عندي فرسا أعلفها كل يوم فرق ذرة ولأقتلن عليها محمدا، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفته فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله، فلما كان يوم أحد طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في عنقه بحربته، فوقع أبي عن فرسه، فلما رجع إلى فرسه وقد خدشه في عنقه خدشا غير كبير، فاحتقن الدم، قال: قتلني والله محمد! قالوا: ذهب والله فؤادك إن بك بأس، فقال: إنه قد قال لي بمكة: أنا أقتلك إن شاء الله، والله لو بصق لقتلني، فمات عدو الله بسرف وهم قافلون إلى مكة.
وقال ابن إسحاق (2): حدثنا ابن شهاب، وقال قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب أن أبي بن خلف الجمحي أسر ببدر، فلما افتدي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عندي العوذ فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أقتلك عليها إن شاء الله، فلما كان يوم أحد أقبل أبي بن خلف يركض على فرسه تلك حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعترض رجال من المسلمين ليقاتلوه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأخروا استأخروا! فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة في يده فرمى بها أبي بن خلف فكسرت الحربة ضلعا من أضلاعه، فرجع إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه حتى ولوا به، فطفقوا يقولون له:
لا بأس بك، فقال لهم أبي: ألم يقل لي: بل أنا أقتلك إن شاء الله؟ فانطلق به أصحابه، فمات ببعض الطريق فدفنوه، قال سعيد بن المسيب: وفيه أنزل الله - تبارك وتعالى -: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (3).