من الجرحى فأخبر علي بمكانهم فتغافل عنهم فسكت، وكان مذهبه أن لا يقتل مدبرا لا يذفف على جريح ولا يكشف سترا ولا يأخذ مالا، ثم جهز علي عائشة بكل ما ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك وبعث معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء البصرة المعروفات، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر، فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه أتاها علي فوقف لها، وحضر الناس فخرجت وودعتهم وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وبين أحمائها، وإنه على معتبي لمن الأخيار، وقال علي:
صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة.
وخرجت يوم السبت غرة رجب وشيعها أميالا وسرح بنيه معها يوما، فكان وجهها إلى مكة، فأقامت إلى الحج، ثم رجعت إلى المدينة، وقال لها عمار حين ودعها: ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك! قالت: والله إنك ما علمت لقوال بالحق، قال: الحمد لله الذي قضى على لسانك لي) (1).