وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بموت منافق عند هبوب الريح فكان كما أخبر فخرج الواقدي (1): في (مغازيه) عن عبيد الله بن الهرير، عن أبيه، عن رافع بن خديج قال: لما رحنا من المريسيع قبل الزوال كان الجهد بنا يومئذ وليلتنا، ما أناخ منا رجل إلا لحاجته، أو لصلاة يصليها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحث راحلته، ويخلف بالسوط في مراقها حتى أصبحنا ومددنا يومنا حتى انتصف النهار، أو كرب، ولقد راح الناس وهم يتحدثون بمقالة ابن أبي، وما كان منه، فما هو إلا أن أخذهم السهر والتعب بالمسير، فما نزلوا حتى ما يسمع لقول ابن أبي في أفواهم - يعني ذكرا - إنما أسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ليدعوا حديث ابن أبي، فلما نزلوا وجدوا مس الأرض وقعوا نياما، ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس مبردا، فنزل من الغد ماء، يقال له بقعاء فوق النقيع، وسرح الناس كله ظهرهم، فأخذتهم ريح شديدة حتى أشفق الناس منها، وسألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخافوا أن يكون عيينة بن حصين خالف إلى المدينة، وقالوا: لم تهج هذه الريح إلا من حدث! وإنما بالمدينة الذراري والصبيان، وكانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وعيينة مدة، فكان ذلك حين انقضائها فدخلهم أشد الخوف، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفهم فقال صلى الله عليه وسلم: ليس عليكم بأس منها ما بالمدينة من نقلب إلا عليه ملك يحرسه وما كان ليدخلها عدو حتى تأتوها ولكنه مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة، فلذلك عصفت الريح وكان موته للمنافقين غيظا شديدا وهو زيد بن رفاعة بن التابوت مات ذلك اليوم.
فحدثني خارجة بن الحارث، عن عباس بن سهل، عن جابر بن عبد الله - رضي الله تبارك وتعالى عنه -، قال: كانت الريح يومئذ أشد ما كانت قط إلى أن زالت الشمس، ثم سكنت آخر النهار.