لك بأم، قال: بلى وإن كرهت، قالت: فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل الذي نقمتهم، هيهات والله لن يظفر من كان هذا دأبه -! فأبرزوا هودجها فوضعوها ليس قربها أحد، وأتاها علي فقال: كيف أنت يا أمه؟ قالت: بخير، قال:
يغفر الله لك، قالت: ولك، وجاء أعين بن ضبيعة بن أعين المجاشعي حتى اطلع في الهودج، فقالت: إليك لعنك الله، فقال: والله ما أرى إلا حميراء، فقالت له: هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك، فقتل بالبصرة، وسلب، وقطعت يده، ورمي عريانا في خربة من خربات الأزد، فلما كان الليل أدخلها أخوها محمد بن أبي بكر البصرة فأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية بنت الحارث بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وهي أم طلحة الطلحات بن عبد الله بن خلف، وتسلل الجرحى من بين القتلى ليلا فدخلوا البصرة، فأقام على بظاهر البصرة ثلاثا، وأذن للناس في دفن موتاهم، فخرجوا إليهم فدفنوهم، وجعل كلما مر برجل فيه خير قال: زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إلا الغوغاء، وهذا العابد المجتهد فيهم، وصلى علي على القتلى من أهل البصرة والكوفة، وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء، وأمر فدفنت الأطراف في قبر عظيم، وجمع ما كان في العسكر من شئ وبعث به إلى مسجد البصرة وقال: من عرف شيئا فليأخذه إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان، وكان جميع القتلى عشرة آلاف نصفهم من أصحاب علي ونصفهم من أصحاب عائشة، وقيل غير ذلك.
ثم دخل على البصرة يوم الاثنين فبايعه أهلها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة، وأتاه عبد الرحمن بن أبي بكرة في المستأمنين أيضا فبايعه، ثم راح إلى عائشة وهي في دار عبد الله بن خلف، وهي أعظم دار بالبصرة، فوجد النساء يبكين على عبد الله وعثمان ابني خلف وكان عبد الله قتل مع عائشة وعثمان قتل مع علي، وكانت صفية زوج عبد الله مختمرة تبكي، فلما رأته قالت له: يا علي يا قاتل الأحبة! يا مفرق الجمع! أيتم الله منك بنيك كما أيتمت ولد عبد الله منه! فلم يرد عليها شيئا، ودخل على عائشة فسلم عليها، وقعد عندها، فلما خرج علي أعادت عليه القول، فكف بغلته وقال: لقد هممت أن أفتح هذا الباب، وأشار إلى باب في الدار، وأقتل من فيه، وكان فيه ناس