المسألة الثامنة: كان يجب عليه صلى الله عليه وسلم مصابرة العدو وإن كثر عددهم، والأمة إنما يلزمهم الثبات إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف ولم يبوب البيهقي - رحمه الله - على هذه الخصوصية في (سننه)، ولكن يستدل لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لعروة في جملة كلامه لما خرج إليه يوم الحديبية:
فإن أبوا فوالله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي، يريد صلى الله عليه وسلم قريشا.
ويستدل أيضا بما وقع في يوم أحد فإنه صلى الله عليه وسلم أفرد في اثنى عشر رجلا أو نحوهم، والعدو إذ ذاك نحو ثلاثة آلاف، ومثل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أفرد يوم حنين كما هو مشهور في السير ومر ذكره، وسيمر إن شاء الله - تعالى -.
ومن ذلك ما ذكره الماوردي في كتاب (الحاوي) أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا بارز رجلا في الحرب لم يكف عنه قبل قتله.
ومنه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينفر من الزحف وثبت بإزاء عدوه وإن كثروا، ويمكن أن يستدل لذلك بأن الفرار والتولي من الزحف إنما هو تخوف القتل، وهو صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك.