وأما ظهور صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في إخباره أن قزمان في النار فقال الواقدي (1): وكان قزمان من المنافقين، وكان قد تخلف عن أحد، فلما أصبح عيره نساء بني ظفر فقلن: يا قزمان، قد خرج الرجال وبقيت! يا قزمان، ألا تستحي مما صنعت؟ ما أنت إلى إلا امرأة، خرج قومك فبقيت في الدار! فأحفظته، فدخل بيته فأخرج قوسه وجعبته وسيفه - وكان يعرف بالشجاعة - فخرج يعدو حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسوي صفوف المسلمين، فجاء من خلف الصفوف حتى انتهى الصف الأول فكان فيه، وكان أول من رمى بسهم من المسلمين، فجعل يرسل نبلا كأنها الرماح، وإنه ليكت كتيت الجمل، ثم صار إلى السيف ففعل الأفاعيل، حتى إذا كان آخر ذلك قتل نفسه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكره قال: من أهل النار، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار! يا آل أوس، قاتلوا على الأحساب واصنعوا مثل ما اصنع! قال: فيدخل بالسيف وسط المشركين حتى يقال: قد قتل، ثم يطلع ويقول: أنا الغلام الظفري! حتى قتل منهم سبعة، وأصابته الجراحة وكثرت به فوقع، فمر بن قتادة بن النعمان فقال:
أبا الغيداق! قال له قزمان: يا لبيك! قال: هنيئا لك الشهادة! قال قزمان: إني والله ما قاتلت يا أبا عمرو على دين، ما قاتلت إلا على الحفاظ، أن قريش إلينا حتى تطأ سعفنا، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم جراحته فقال: من أهل النار، فأندبته الجراحة، فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
وقال الواقدي (2) في موضع آخر: وكان قزمان عديدا في بني ظفر لا يدري ممن هو، وكان لهم حائطا محبا، وكان مقلا لا ولد له ولا زوجة، وكان شجاعا يعرف بذلك في حروبهم، تلك التي كانت تكون بينهم، فشهد أحدا فقاتل