فنهض إليهم عشية الخميس وليلة الجمعة لتسع ليال خلون من المحرم، فسألهم الحسين تأخير الحرب إلى غد، فأجابوه.
قالوا: وأمر الحسين أصحابه أن يضموا مضاربهم بعضهم من بعض، ويكونوا أمام البيوت، وأن يحفروا من وراء البيوت أخدودا، وأن يضرموا فيه حطبا وقصبا كثيرا، لئلا يؤتوا من إدبار البيوت، فيدخلوها.
قالوا: ولما صلى عمر بن سعد الغداة نهد بأصحابه، وعلى ميمنته عمرو بن الحجاج، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن - واسم شمر شرحبيل بن عمرو بن معاوية، من آل الوحيد، من بني عامر بن صعصعة وعلى الخيل عروة بن قيس، وعلى الرجالة شبث ابن ربعي، والراية بيد زيد مولى عمر بن سعد.
* * * وعبى الحسين عليه السلام أيضا أصحابه، وكانوا اثنين وثلاثين فارسا وأربعين راجلا، فجعل زهير بن القين على ميمنته، وحبيب بن مظهر على ميسرته، ودفع الراية إلى أخيه العباس بن علي، ثم وقف، ووقفوا معه أمام البيوت.
وانحاز الحر بن يزيد الذي كان جعجع بالحسين إلى الحسين، فقال له: (قد كان مني الذي كان، وقد أتيتك مواسيا لك بنفسي، أفترى ذلك لي توبة مما كان مني؟.
قال الحسين: نعم، إنها لك توبة، فأبشر، فأنت الحر في الدنيا، وأنت الحر في الآخرة، إن شاء الله.
قالوا: ونادى عمر بن سعد مولاه زيدا أن قدم الراية، فتقدم بها، وشبت الحرب.
فلم يزل أصحاب الحسين يقاتلون ويقتلون، حتى لم يبق معه غير أهل بيته.
فكان أول من تقدم منهم، فقاتل علي بن الحسين، وهو علي الأكبر، فلم يزل يقاتل حتى قتل، طعنه مرة بن منقذ العبدي، فصرعه، وأخذته السيوف فقتل.