فبنيا هو يطوف في أحياء الكوفة إذ وجد رجلا من أهل الشام قد كان قدم الكوفة في طلب ميراث له، فأرسل به إلى ابن زياد، فأمر به، فضربت عنقه.
فلما رأى الناس ذلك خرجوا.
قالوا: وورد كتاب ابن زياد على عمر بن سعد، أن أمنع الحسين وأصحابه الماء، فلا يذوقوا منه حسوة (1) كما فعلوا بالتقي عثمان بن عفان.
فلما ورد على عمر بن سعد ذلك أمر عمرو بن الحجاج أن يسير في خمسمائة راكب، فينيخ على الشريعة، ويحولوا بين الحسين وأصحابه، وبين الماء، وذلك قبل مقتله بثلاثة أيام، فمكث أصحاب الحسين عطاشى.
قالوا: ولما اشتد بالحسين وأصحابه العطش أمر أخاه العباس بن علي - وكانت أمه من بني عامر بن صعصعة - أن يمضي في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا، مع كل رجل قربة حتى يأتوا الماء، فيحاربوا من حال بينهم وبينه.
فمضى العباس نحو الماء وأمامهم نافع بن هلال حتى دنوا من الشريعة، فمنعهم عمرو بن الحجاج، فجالدهم العباس على الشريعة بمن معه حتى أزالوهم عنها، واقتحم رجالة الحسين الماء، فملأوا قربهم، ووقف العباس في أصحابه يذبون عنهم حتى أوصلوا الماء إلى عسكر الحسين.
* * * ثم إن ابن زياد كتب إلى عمر بن سعد:
أما بعد، فإني لم أبعثك إلى الحسين لتطاوله الأيام، ولا لتمنيه السلامة والبقاء، ولا لتكون شفيعه إلي، فاعرض عليه، وعلى أصحابه النزول على حكمي، فإن أجابوك فابعث به وبأصحابه إلي، وإن أبوا فازحف إليه، فإنه عاق شاق، فإن لم تفعل فاعتزل جندنا، وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنا قد أمرناك بأمرنا.
فنادى عمر بن سعد في أصحابه أن انهدوا إلى القوم.