الفهري، وكان على شرطه، ومسلم بن عقبة، وكان على حرسه، فقال لهما:
(أبلغا يزيد وصيتي، وأعلماه أني آمره في أهل الحجاز أن يكرم من قدم عليه منهم، ويتعهد من غاب عنه من أشرافهم، فإنهم أصله، وإني آمره في أهل العراق أن يرفق بهم ويداريهم ويتجاوز عن زلاتهم، وإني آمره في أهل الشام أن يجعلهم عينيه وبطانته، وإلا يطيل حبسهم في غير شامهم، لئلا يجروا (1) على أخلاق غيرهم.
وأعلماه أني لست أخاف عليه إلا أربعة رجال: الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير. فأما الحسين ابن علي فاحسب أهل العراق غير تاركيه حتى يخرجوه، فإن فعل، فظفرت به، فاصفح عنه، وأما عبد الله بن عمر فإنه رجل قد وقذته العبادة، وليس بطالب للخلافة إلا أن تأتيه عفوا، وأما عبد الرحمن بن أبي بكر فإنه ليس له في نفسه من النباهة والذكر عند الناس ما يمكنه طلبها، ويحاول التماسها إلا أن تأتيه عفوا، وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك روغان الثعلب، فإن أمكنته فرصة وثب فذاك عبد الله بن الزبير، فإن فعل وظفرت به، فقطعه إربا إربا إلا أن يلتمس منك صلحا، فإن فعل فاقبل منه، وأحقن دماء قومك بجهدك، وكف عاديتهم بنوالك، وتغمدهم بحلمك).
ثم قدم عليه يزيد، فأعاد عليه هذه الوصية، ثم قضى.
فأقبل الضحاك بن قيس حتى أتى المسجد الأعظم، فصعد المنبر، ومعه أكفان معاوية، فقال: (أيها الناس، إن معاوية بن أبي سفيان كان عبدا من عباد الله، ملكه على عباده، فعاش بقدر ومات بأجل، وهذه أكفانه كما ترون، نحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره، ومخلون بينه وبين ربه، فمن أحب منكم أن يشهد جنازته فليحضر بعد صلاة الظهر. ثم نزل.
وتفرق الناس حتى إذا صلوا الظهر اجتمعوا وأصلحوا جهازه، وحملوه حتى واروه.