قالوا: وقد كان معاوية خلف على الكوفة حين شخص منها المغيرة بن شعبة، فصعد المنبر يوم الجمعة ليخطب فحصبه حجر بن عدي، وكان من شيعة علي، في نفر من أصحابه، فنزل مسرعا من المنبر، ودخل قصر الإمارة، وبعث إلى حجر بخمسة آلاف درهم ترضاه بها. فقيل للمغيرة: (لم فعلت هذا، وفيه عليك وهن وغضاضة؟) فقال: (قد قتلته بها).
فلما مات المغيرة وجمع معاوية لزياد الكوفة إلى البصرة، كان يقيم بالبصرة ستة أشهر، وبالكوفة مثل ذلك، فخرج في بعض خرجاته إلى البصرة، وخلف على الكوفة عمرو بن حريث العدوي، فصعد عمرو بن حريث ذات جمعة المنبر ليخطب، وقعد له حجر بن عدي وأصحابه فحصبوه (1)، فنزل من المنبر، فدخل القصر، وأغلق بابه.
وكتب إلى زياد يخبره بما صنع حجر وأصحابه، فركب زياد البريد حتى وافى الكوفة، ودخل المسجد، وأخرج له سريره من القصر، فجلس عليه، فكان أول من دخل عليه من أشراف الكوفة محمد بن الأشعث بن قيس، فسلم عليه بالإمرة.
فقال زياد: (لأسلم الله عليك، انطلق فأتني بابن عمك الساعة).
قال محمد بن الأشعث: (ما لي ولحجر، إنك لتعلم التباعد بيننا).
فقال له جرير بن عبد الله: (أنا آتيك بحجر أيها الأمير، على أن تجعل له الأمان، وألا تعرض له حتى يلقى معاوية، فيرى فيه رأيه). قال: (قد فعلت).
فأقبل به إلى زياد، فأمر بحبسه، وأمر بطلب أصحابه الذين كانوا معه، فأتي بهم، فوجههم جميعا إلى معاوية مع مائة رجل من الجند، فأنشأت أم (2) حجر تقول: ترفع أيها القمر المنير * ترفع هل ترى حجرا يسير ألا يا حجر حجر بني عدي * تلقتك البشارة والسرور وإن تهلك فكل عميد قوم * من الدنيا إلى هلك يصير