والجواب عن السؤال الأول أن إسناد إثبات ما ذكرناه من الاحكام المنسوخة إلى ما وجد من السنة من أفعال النبي (ص)، وأقواله وتقريراته صالح لاثباتها، وقد اقترن بها الاثبات، فكان الاثبات مستندا إليها، وكذلك الكلام في إسناد نسخها إلى ما وجد من الآيات الصالحة للنسخ من ترتب النسخ عليها، فبتقدير (1) وجود خطاب آخر يكون إسناد الأحكام المذكورة إليه بتقدير نسخه وكذلك تقدير وجود سنة ناسخة لها مع عدم الاطلاع عليها وإمكان إسناد نسخها إلى ما وجد من الآيات الصالحة لنسخها من غير ضرورة يكون ممتنعا.
ولو فتح هذا الباب، لما استقر لاحد قدم في إثبات ناسخ ولا منسوخ، لان ما من ناسخ يقدر إلا ويحتمل أن يكون الناسخ غيره، وما من منسوخ حكمه يقدر إلا ويحتمل أن يكون إسناد ذلك الحكم إلى غيره، وهو خلاف إجماع الأمة في الاكتفاء بالحكم على كون ما وجد من الخطاب الصالح لنسخ الحكم هو الناسخ وأن ما وجد من الدليل الصالح لاثبات الحكم هو المثبت، وإن احتمل إضافة الحكم والنسخ إلى غير ما ظهر، مع عدم الظفر به بعد البحث التام عنه. وعن المعارضة بالنص من وجهين:
الأول: أن المراد بقوله * (لتبين للناس) * (16) النحل: 44) إنما هو التبليغ وذلك يعم تبليغ الناس من القرآن وغيره، وليس فيه ما يدل على امتناع كون القرآن ناسخا للسنة.
الثاني: وإن سلمنا أن المراد بقوله (لتبين للناس) إنما هو بيان المجمل والعام والمطلق والمنسوخ، لكن لا نسلم دلالة ذلك على انحصار ما ينطق به في البيان بل جاز مع كونه مبينا أن ينطق بغير البيان، ويكون محتاجا إلى بيان.
وعن المعارضة الأولى من جهة المعقول من ثلاثة أوجه.
الأول: أن ذلك إنما يصح أن لو كانت السنة من عند الرسول من تلقاء نفسه وليس كذلك، بل إنما هي من الوحي على ما قال تعالى: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * (53) النجم: 3).
الثاني: أنه لو امتنع نسخ السنة بالقرآن لدلالته على أن ما شرعه أولا غير مرضي لامتنع نسخ القرآن بالقرآن، والسنة بالسنة، وهو خلاف إجماع القائلين بالنسخ.