كيف، وإنه وإن كان أضعف من المتواتر من جهة كونه آحادا إلا أنه أقوى من المتواتر من جهة كونه خاصا، والمتواتر عاما. والظن الحاصل من الخاص إذا كان آحادا أقوى من الظن الحاصل من العام المتواتر، لان تطرق الضعف إلى الواحد من جهة كذبه واحتمال غلطه، وتطرق الضعف إلى العام من جهة تخصيصه، واحتمال إرادة بعض ما دل عليه دون البعض، واحتمال تطرق التخصيص إلى العام أكثر من تطرق الخطأ والكذب إلى العدل، فكان الظن المستفاد من خبر الواحد أقوى.
وأما المثبتون فقد احتجوا بالنقل، والمعنى.
أما النقل فمن وجهين:
الأول: أن وجوب التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتا بالسنة المتواترة، لأنه لم يوجد في الكتاب ما يدل عليه، وإن أهل قباء كانوا يصلون إلى بيت المقدس، بناء على السنة المتواترة، فلما نسخ جاءهم منادي رسول الله (ص) فقال لهم:
(إن القبلة قد حولت) (1) فاستداروا بخبره والنبي (ص)، لم ينكر عليهم، فدل على الجواز.
الثاني: أن النبي (ص) كان ينفذ الآحاد إلى أطراف البلاد لتبليغ الناسخ والمنسوخ ولولا قبول خبر الواحد في ذلك، لما كان قبوله واجبا. وأما المعنى فمن وجهين:
الأول أن النسخ أحد البيانين، فكان جائزا بخبر الواحد كالتخصيص.
الثاني: أن نسخ القرآن بخبر الواحد جائز على ما سيأتي بيانه، فنسخ السنة المتواترة به أولى (2).