يوم الخندق، وقد أخر الصلاة حشا الله قبورهم نارا، لحبسهم له عن الصلاة (1) وقد نسخ ذلك الجواز بصلاة الخوف الواردة في القرآن.
فإن قيل: ما ذكرتموه من صور نسخ السنة بالقرآن، ما المانع أن يكون الحكم في جميع ما ذكرتموه ثابتا بقرآن نسخ رسمه، وبقي حكمه؟ وإن سلمنا أنه ثابت بالسنة، ولكن ما المانع أن يكون النسخ وقع بالسنة، ودلالة ما ذكرتموه من الآيات على أحكامها ليس فيه ما يدل على عدم ارتفاع الاحكام السابقة بالسنة.
ويدل على أن الامر على ما ذكرناه أن الشافعي كان من أعلم الناس بالناسخ والمنسوخ وأحكام التنزيل، وقد أنكر نسخ السنة بالقرآن، ولولا أن الامر على ما ذكرناه لما كان إنكاره صحيحا. ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على نسخ السنة بالقرآن غير أنه معارض بالنص والمعقول.
أما النص: فقوله تعالى * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * (16) النحل: 44) جعل السنة بيانا، فلو نسخت لخرجت عن كونها بيانا، وذلك غير جائز.
وأما المعقول فمن وجهين: الأول أنه لو نسخت السنة بالقرآن، لزم تنفير الناس عن النبي (ص)، وعن طاعته لايهامهم أن الله تعالى لم يرض ما سنه الرسول، وذلك مناقض لمقصود البعثة ولقوله تعالى * (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) *.
الثاني: أن السنة ليست من جنس القرآن لان القرآن معجزة ومتلو ومحرم تلاوته على الجنب، ولا كذلك السنة، وإذا لم يكن القرآن من جنس السنة امتنع نسخه لها كما يمتنع نسخ القرآن بحكم دليل العقل، وبالعكس.