كذلك، ويدل على ذلك قوله (ص): ما احتلم نبي قط (1) يعني ما تشكل له الشيطان في المنام على الوجه الذي يتشكل لأهل الاحتلام.
كيف وإنه لو كان ذلك خيالا، لا وحيا، لما جاز لإبراهيم العزم على الذبح المحرم بمنام لا أصل له، ولما سماه بلاء مبينا، ولما احتاج إلى الفداء.
وعن الثاني أن قوله * (افعل ما تؤمر) * (37) الصافات: 102) وإن لم يكن ظاهرا في الماضي، لكنه قد يرد ويراد به الماضي. ولهذا فإنه لو قال القائل قد أمرني السلطان بكذا فإنه يصح أن يقال له افعل ما تؤمر أي ما أمرت به، وأنت مأمور. ويجب الحمل عليه ضرورة حمل الولد على إخراجه إلى الصحراء وأخذ آلات الذبح وترويع الولد، فإن ذلك كله، مما يحرم من غير أمر ولا إذن في ذلك.
وعن الثالث أن حمل الامر على العزم أو على مقدمات الذبح على خلاف قوله * (إني أرى في المنام أني أذبحك) * (37) الصافات: 102) ثم لو كان مأمورا بالعزم على الذبح ومقدمات الذبح لا غير لما سماه بلاء مبينا، ولما احتاج إلى الفداء، لكون المأمور به مما وقع، ولما قال الذبيح * (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * (37) الصافات: 102) فإن ذلك مما لا ضرر عليه فيه. وقوله: * (قد صدقت الرؤيا) * (37) الصافات: 105) معناه أنك عملت في المقدمات عمل مصدق للرؤيا بقلبه.
لكن لقائل أن يقول: إذا كان قد أمر بإخراج الولد إلى الصحراء وأخذ المدية والحبل وتله للجبين، مع إبهام عاقبة الامر عليه وعلى ولده، فإنه يظهر من ذلك لهما أن عاقبة الامر إنما هي الذبح، وذلك عين البلاء، به يتحقق قول الذبيح * (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * (37) الصافات: 102) وأما تسمية الكبش فداء، فإنما كان عن الامر المتوقع، لا عن الامر الواقع، غير أن هذا مما لا يستقيم على أصل أبي الحسين البصري (2) لما فيه من توريط المكلف في الجهل، حيث أوجب عليه ما يظهر منه الامر بالذبح، ولا أمر.