وليس المراد منه أنه يأتي بخير من الآية في نفسها، إذ القرآن كله خير، لا تفاضل فيه، وإنما المراد به ما هو خير بالنسبة إلينا، وذلك هو الأخف والأسهل في الاحكام (1).
والجواب عن المعقول أن ما ذكروه لازم عليهم في ابتداء التكليف، ونقل الخلق من الإباحة والاطلاق إلى مشقة التكليف، وكذلك في نقلهم من الصحة إلى السقم، ومن الشبيبة إلى الهرم، ومن الجدة إلى العدم، وإعدام القوي والحواس بعد وجودها، فإن ما نقلهم إليه أشق عليهم مما نقلهم عنه. وكل ما ذكروه فهو بعينه لازم ها هنا، وما هو الجواب في صورة الالزام فهو جوابنا في محل النزاع.
وعن الآية الأولى أنه لا عموم فيها حتى يلزم من ذلك إرادة التخفيف في كل شئ، وبتقدير العموم، فليس فيه ما يدل على إرادة التخفيف على الفور، بل جاز أن يكون المراد من ذلك التخفيف في المآل برفع أثقال الآخرة، والعقاب على المعاصي، بما يحصل لنا من الثواب الجزيل على الأعمال الشاقة علينا في الدنيا وعلى طباعنا، تسمية للشئ بعاقبته (2) ومنه قوله تعالى: * (فما أصبرهم على النار) * (2) البقرة: 175) وقوله تعالى: * (إنما يأكلون في بطونهم نارا) * (4) النساء: 10) ومنه يقال (لدوا للموت وابنوا للخراب) (3) وبتقدير إرادة الفور، فلا يمتنع التخصيص، كما خص بأثقال تكاليفه المبتدأة وابتلائه في الأبدان والأموال، كما سبق تقريره. وما ذكرناه من الأدلة الدالة على وقوع ذلك صالح لتخصيص هذه الآية.
وعن الآية الثانية أنه يجب حملها على ما فيه اليسر والعسر بالنظر إلى المآل حتى لا يلزم منه كثرة التخصيص بابتداء التكاليف، وما وقع به الابتلاء في الدنيا في الأبدان والأموال.