الثاني أن عليا رضي الله عنه، ناجى بعد تقديم الصدقة (1) وذلك يدل على حضور وقت الفعل.
وأما الثانية فلانه لا يمتنع أن يكون ذلك بعد مضي وقت تمكن المهاجرة فيه إليه مع ردهن، ولا دليل على وقوع نسخ ذلك قبل دخول وقت الفعل، فلا يكون حجة.
وأما الثالثة، فلان النسخ ورد على بعض ما تناوله اللفظ، فكان بيانا أن مراده من اللفظ إنما هو بعض السنة، ويكون النهي متناولا لغير ما تناوله الامر، وذلك غير ممتنع، وهذا بخلاف ما إذا نسخ قبل دخول شئ من الوقت، لان النهي يكون متناولا لغير ما تناوله الامر، ولا يلزم من جواز ذلك ثم جوازه هاهنا.
وأما الرابعة فلان إباحة القتال في تلك الساعة لا يقتضي وقوع القتال ولا بد وعلى هذا، فلا يمتنع أن يكون النهي عن القتال بعد مضي تلك الساعة، ولا دليل يدل على وقوع النسخ قبل دخول الوقت.
كيف وأنه لا دلالة في قوله أحلت لي مكة ساعة على إباحة القتال، بل لعله أراد بذلك إباحة قتل أناس معينين، كابن خطل وغيره، فالنهي عن القتال لا يكون نسخا لإباحة القتال. والأقرب في ذلك حجتان:
الحجة الأولى التمسك بقصة الاسراء، وهو ما صح بالرواية أن الله تعالى فرض ليلة الاسراء على نبيه وعلى أمته خمسين صلاة، فأشار عليه موسى بالرجوع، وقال له أمتك ضعفاء لا يطيقون ذلك، فاستنقص الله ينقصك وأنه قبل ما أشار عليه، وسأل الله في ذلك، فنسخ الخمسين إلى أن بقي خمس صلوات. وذلك نسخ لحكم الفعل قبل دخول وقته.
الحجة الثانية أنه يجوز أن يأمر الله تعالى زيدا بفعل في الغد، ويمنعه منه بمانع عائق له عنه قبل الغد، فيكون مأمورا بالفعل في الغد بشرط انتفاء المانع. وإذا جاز الامر بالفعل بشرط انتفاء الناسخ مع تعقيبه بالنسخ، إذ الفعل لا يفرق بين الحالتين، وهو إلزام ملزم.