قلنا: وهذا أيضا مبني على رعاية الحكمة في أفعال الله تعالى، وهو باطل، لما عرف من أصلنا، بل جاز أن يكون الأمر والنهي، لا لمصلحة ولا لمفسدة. وإن سلم عدم خلوه عن المصلحة والمفسدة، ولكن لا نسلم أنه يلزم من ذلك الامر بالمفسدة والنهي عن المصلحة، بل جاز أن يقال إنه مشتمل على المصلحة حالة الامر، ومشتمل على المفسدة حالة النهي، ولا مفسدة حالة الامر، ولا مصلحة حالة النهي، على ما تقرر قبل. ولا يلزم من ذلك الجهل في حق الله تعالى ولا البداء، لعلمه حالة الامر بما الفعل مشتمل عليه من المصلحة، وانه سينسخه في ثاني الحال، لما يلازمه من المفسدة المقتضية للنسخ حالة النسخ، كما علم.
قولهم في المعارضة الثانية: إذا أمر بالفعل، ثم نهى عنه، فتبين أنه أمر بما لم يرد، مسلم. وعندنا ليس من شرط الامر إرادة المأمور به كما سبق تعريفه.
قولهم يلزم من ذلك عدم الوثوق بجميع أقوال الشارع، إن أرادوا بذلك أنه إذا خاطب بما يحتمل التأويل أنا لا نقطع بإرادته لما هو الظاهر من كلامه، فمسلم ولكن لا نسلم امتناع ذلك، وهذا هو أول المسألة، وإن أرادوا به أنه لا يمكن الاعتماد على ظاهره مع احتمال إرادة غيره من الاحتمالات البعيدة، فغير مسلم وإن أرادوا غير ذلك، فلا نسلم تصوره.
قولهم في المعارضة الثالثة إنه يلزم منه أن يكون الفعل الواحد في وقت واحد مأمورا منهيا.
قلنا: مأمور منهي معا، أو لا معا؟ الأول ممنوع، والثاني مسلم.
قولهم إن كلام الله عندكم صفة واحدة لا نسلم ذلك، إن سلكنا مذهب عبد الله بن سعد من أصحابنا، وإن سلكنا مذهب الشيخ أبي الحسن فلم قالوا بالإحالة.
قولهم يلزم منه أن تكون الصفة الواحدة أمرا نهيا.
قلنا: إنما تسمى الصفة الواحدة بهذه الأسماء بسبب اختلاف تعلقاتها ومتعلقاتها فإن تعلقت بالفعل سميت أمرا، وإن تعلقت بالترك سميت نهيا، وذلك إنما يمتنع أن لو اتحد زمان التعلق بالفعل والترك.
وأما إذا كان زمان التعلق مختلفا، فلا. والمأمور والمنهي، وإن كان زمانه متحدا لكن تعلق الامر به غير زمان تعلق النهي به، ومع التغاير فلا امتناع.