الوجه الثاني أنه إذا أمر بالفعل في وقت معين، ثم نهى عنه، فقد بان أنه لم يرد إيقاعه، ويكون قد أمر بما لم يرده، ولو جاز ذلك، لما بقي لنا وثوق بقول من أقوال الشارع لجواز أن يكون المراد بذلك القول ضد ما هو دال على إرادته، وذلك محال.
الثالث أن ذلك مما يفضي إلى أن يكون الفعل الواحد مأمورا منهيا، والامر والنهي عندكم كلام الله، وكلامه صفة واحدة، فيكون الكلام الواحد أمرا نهيا بشئ واحد في وقت واحد، وذلك محال.
والجواب: قولهم في قصة الاسراء إنها خبر واحد.
قلنا: والمسألة عندنا من مسائل الاجتهاد، ولذلك لا يكفر المخالف فيها، ولا يبدع.
قولهم إنه نسخ عن المكلفين قبل علمهم به. قلنا: فقد نسخ عن النبي (ص) بعد علمه، وإن سلمنا أنه نسخ عن المكلفين قبل علمهم به، ولكن لم قالوا بامتناعه.
قولهم إنه لا يتعلق به فائدة الثواب باعتقاد الوجوب والعزم على الفعل، فهو مبني على رعاية الحكمة في أفعال الله تعالى، وهو ممنوع على ما عرف من أصلنا.
قولهم على الحجة الثانية إنا لا نسلم الامر مع المنع.
قلنا: قد سبق تقريره في الأوامر.
قولهم: إن أراد منه الفعل، فهو تكليف بما لا يطاق.
قلنا: وإن كان كذلك، فهو جائز عندنا على ما تقرر قبل.
قولهم: وإن لم يكن مريدا له، فهو أمر بشرط عدم المنع من العالم بعواقب الأمور، وذلك محال لما سبق.
قلنا: وقد سبق أيضا في الأوامر جواز ذلك، وإبطال كل ما تخيلوه مانعا.
قولهم في المعارضة الأولى إنه يلزم من ذلك أن يكون الرب تعالى آمرا وناهيا عن فعل واحد في وقت واحد، وهو محال، لا نسلم إحالته.
قولهم: إما أن يكون حسنا أو قبيحا، فهو مبني على الحسن والقبح العقلي، وهو باطل لما سبق. فلئن قالوا: وإن لم يكن حسنا ولا قبيحا، فلا يخلو إما أن يكون مشتملا على مصلحة أو مفسدة.
فإن كان الأول، فقد نهى عما فيه مصلحة، وإن كان الثاني، فقد أمر بما فيه مفسدة.