قولهم إن وجوب التربص لم يزل بالكلية.
قلنا لا خلاف بين أهل الملة في أنه كان التربص حولا كاملا واجبا، سواء كانت مدة الحمل سنة، أو لم تكن، وذلك مما رفع بالكلية.
وما ذكروه من امتناع نسخ القرآن بقوله * (لا يأتيه الباطل) * (41) فصلت: 42) الآية، فليس فيه ما يدل على امتناع النسخ، إلا أن يكون النسخ إبطالا له، وليس كذلك.
وبيانه أن النسخ لا معنى له سوى قطع الحكم الذي دل عليه اللفظ، مع كون المخاطب مريدا لقطعة على ما سبق، وذلك لا يكون إبطالا له بل تحقيقا لمقصوده.
وما ذكروه من قول موسى، فمختلق لم تثبت صحته عن موسى عليه السلام.
وقد قيل إن أول من وضع ذلك لهم ابن الراوندي (1) ليعارض به دعوى الرسالة من محمد (ص)، لما ظهر من تسمحه في الدين. ويدل على ذلك أن أحبارهم ككعب الأحبار، وابن سلام، ووهب ابن منبه (2) وغيرهم كانوا أعرف من غيرهم بما في التوراة، وقد أسلموا ولم يذكروا شيئا من ذلك: ولو كان ذلك صحيحا لكان من أقوى ما يتمسك به اليهود في زمن النبي (ص)، في معارضته، ولم ينقل عنهم شئ من ذلك ثم أنهم مختلفون في نفس متن الحديث، فإن منهم من قال الحديث إن أطعتموني لما أمرتكم به، ونهيتكم عنه، ثبت ملككم، كما ثبتت السماوات والأرض، وليس في ذلك ما يدل على إحالة النسخ.
وإن سلمنا صحة ما نقلوه، فيحتمل أنه أراد بالشريعة، التوحيد ويحتمل أنه أراد بقوله مؤبدة ما لم تنسخ بشريعة نبي آخر.