وأما شبه أرباب الخصوص، فأولها: أن تناول اللفظ للخصوص متيقن، وتناوله للعموم محتمل، فجعله حقيقة في المتيقن أولى.
وثانيها: أن أكثر استعمال هذه الصيغ في الخصوص دون العموم، ومنه يقال:
جمع السلطان التجار والصناع وكل صاحب حرفة، وأنفقت دراهمي، وصرمت نخيلي ونحوه، فكان جعلها حقيقة فيما استعمالها فيه أغلب، أولى.
وثالثها: أنه إذا قال السيد لعبده أكرم الرجال، ومن دخل داري فأعطه درهما، ومتى جاءك فقير فتصدق عليه، ومتى جاء زيد فأكرمه وأين كان وحيث حل فإنه لا يحسن الاستفسار عن إرادة البعض ويحسن الاستفسار عما وراء ذلك، فكان جعل هذه الصيغ حقيقة فيما لا يحسن الاستفسار عنه دون ما يحسن.
ورابعها: أنه لو كان قول القائل رأيت الرجال للعموم، لكان إذا أريد به الخصوص كان المخبر كاذبا، كما لو قال رأيت عشرين ولم ير غير عشرة، بخلاف ما إذا كانت للخصوص، وأريد به العموم.
وخامسها: لو كانت للعموم، لكان تأكيدها غير مفيد لغير ما أفادته، فكان عبثا، وكان الاستثناء منها نقضا.
وسادسها: (ويخص من) أنها لو كانت للعموم، لما جمعت، لان الجمع لا بد وأن يفيد ما لا يفيده المجموع، وليس بعد العموم والاستغراق كثرة، فلا يجمع، وقد جمعت في باب حكاية النكرات عند الاستفهام، فإنه إذا قال القائل جاءني رجال قلت: منون؟ في حالة الوقف دون الوصل، ومنه قول الشاعر:
أتوا ناري، فقلت: منون أنتم؟ فقالوا: الجن. قلت: عموا ظلاما فقد قال سيبويه أنه شاذ غير معمول به.