وأما استدلال أبي بكر بقوله، صلى الله عليه وسلم الأئمة من قريش إنما فهم منه التعميم لما ظهر له من قصد النبي صلى الله عليه وسلم، لتعظيم قريش وميزتهم على غيرهم من القبائل، فلو لم يكن ذلك يدل على الخصوص فيهم والاستغراق، لما حصلت هذه الفائدة.
وأما إجماع الصحابة على إجراء ما ذكروه من الآيات والاخبار على التعميم في كل سارق وزان وغير ذلك، فإنما كان ذلك بناء على ما اقترن بها من العلل المومى إليها الموجبة للتعميم، وهي السرقة والزنى وقتل الظالم إلى غير ذلك، أما أن يكون اعتقاد تعميم تلك الأحكام مستندا إلى عموم تلك الألفاظ، فلا.
وأما ما ذكر من الشبهة الأولى المعنوية، فالجواب عنها: أنا وإن سلمنا أن العموم ظاهر، وأن الحاجة داعية إلى وضع لفظ يدل عليه، ولكن لا نسلم إحالة الاخلال به على الواضعين. ولهذا قد أخلوا بالألفاظ الدالة على كثير من المعاني الظاهرة التي تدعو الحاجة إلى تعريفها بوضع اللفظ عليها، وذلك كالفعل الحالي، ورائحة المسك والعود، وغير ذلك من أنواع الروائح والطعوم الخاصة بمحالها.
فإن قيل لا نسلم أنهم أخلوا بشئ من ذلك، فإنهم يقولون: رائحة المسك، ورائحة العود، وطعم العسل، وطعم السكر إلى غير ذلك. والإضافة من جملة الأوضاع المعرفة، ولهذا، فإن الباري تعالى قد عرف نفسه بالإضافة في قوله:
* (ذو العرش) * (85) البروج: 15)، * (ذو الطول) * (40) غافر: 3) إلى غير ذلك.
قلنا: وعلى هذا، لا نسلم أن العرب أخلت بما يعرف العموم، فإن الأسماء المجازية والمشتركة أيضا من الأسماء المعرفة، كما سيأتي بيانه. وما وقع فيه الخلاف من ألفاظ العموم، فهي غير خارجة في نفس الامر عن كونها حقيقة في العموم دون غيره، أو مجازا فيه وحقيقة فيه وفي غيره، فتكون مشتركة.
وعلى كل تقدير، فما خلا العموم في وضعهم عن معر ف، ولا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في جهة دلالته عليه، هل هي حقيقة أو مجاز؟ وخفاء جهة الدلالة والوقوف في تعيينها لا يبطل أصل الوضع والتعريف.