ثم ما ذكرتموه منقوض بالنهي عن العبادة لعينها، فإنا أجمعنا على أنها لا تصح، ولو صرح الناهي بالصحة، لكان متناقضا. وإن سلمنا أن النهي لا يدل على الفساد لغة، ولكن لا نسلم دلالته على الفساد من جهة المعنى.
وما ذكرتموه من وجوب ترجيح مقصود النهي على مقصود الصحة فغايته أنه يناسب نفي الصحة، وليس يلزم من ذلك نفي الصحة، إلا أن يتبين له شاهد بالاعتبار. ولو بينتم له شاهدا بالاعتبار كان الفساد لازما من القياس، لا من نفس النهي ولا من معناه.
والجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم: من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد من ثلاثة أوجه:
الأول: لا نسلم أن الفعل المأتي به من حيث إنه سبب لترتب أحكامه عليه ليس من الدين حتى يكون مرودا.
الثاني: أنه أراد به الفاعل، وتقديره: من أدخل في ديننا ما ليس منه، فالفاعل رد، أي مردود، ومعنى كونه مردودا أنه غير مثاب عليه، ونحن نقول به.
فإن قيل: عود الضمير إلى الفعل أولى، إذ هو أقرب مذكور، قلنا: إلا أنه يلزم منه المعارضة بينه وبين ما ذكرناه من الدليل، ولا كذلك فيما إذا عاد إلى نفس الفاعل، فكان عوده إلى الفاعل أولى.
الثالث: أنه، وإن عاد إلى نفس الفعل المنهي عنه، إلا أن معنى كونه ردا أنه مردود بمعنى أنه غير مقبول، وما لا يكون مقبولا هو الذي لا يكون مثابا عليه، ولا يلزم من كونه غير مثاب عليه أن لا يكون سببا لترتب أحكامه الخاصة به عليه، وهو عين محل النزاع.
وعن الحديث الآخر ما ذكرناه من الوجه الثاني والثالث. ثم وإن سلمنا دلالتهما على الفساد فليس في ذلك ما يدل على أن الفساد من مقتضيات النهي، بل من دليل آخر، وهو قوله فهو رد ونحن لا ننكر ذلك.