وبمثل ذلك يتبين أنه لا يكون مساويا، فلم يبق إلا أن يكون راجحا على مقصود الصحة، ويلزم من ذلك امتناع الصحة وامتناع انعقاد التصرف لإفادة أحكامه، وإلا كان الحكم بالصحة خليا عن حكمة ومقصود، ضرورة كون مقصودها مرجوحا على ما تقدم تقريره، وإثبات الحكم خليا عن الحكمة في نفس الامر ممتنع لما فيه من مخالفة الاجماع، وهو المطلوب.
فإن: قيل: ما ذكرتموه من كون النهي لا يدل على الفساد لغة معارض بما يدل عليه.
وبيانه من جهة النص، والاجماع والمعنى.
أما من جهة النص فقوله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد وفي رواية أدخل في ديننا ما ليس منه، فهو رد والمردود ما ليس بصحيح ولا مقبول.
ولا يخفى أن المنهي ليس بمأمور، ولا هو من الدين، فكان مردودا.
وأما الاجماع فهو أن الصحابة استدلوا على فساد العقود بالنهي، فمن ذلك احتجاج ابن عمر على فساد نكاح المشركات بقوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات) * (2) البقرة: 221) ولم ينكر عليه منكر، فكان إجماعا.
ومنها احتجاج الصحابة على فساد عقود الربا بقوله تعالى: * (وذروا ما بقي من الربا) * (2) البقرة: 278) وبقوله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق الحديث إلى آخره.
وأما المعنى فمن وجهين:
الأول: أنا أجمعنا على حمل بعض المناهي على الفساد، كالنهي عن بيع الجزء المجهول، ولو لم يكن ذلك مقتضى النهي، لكان لأمر خارج، والأصل عدمه فكان ذلك مقتضى النهي ويلزم منه الفساد حيث وجد، وإلا كان فيه نفي المدلول مع تحقق دليله، وهو ممتنع مخالف للأصل.
الثاني: النهي مشارك للامر في الطلب والاقتضاء، ومخالف له في طلب الترك، والامر دليل الصحة، فليكن النهي دليل الفساد المقابل للصحة، ضرورة كون النهي مقابلا للامر، وأنه يجب أن يكون حكم أحد المتقابلين مقابلا لحكم الآخر.