وبيان امتناع دلالته على الصحة بمعناه ما بيناه من أن النهي بمعناه يدل على الفساد في المسألة المتقدمة، فلا يكون ذلك مفيدا لنقيضه، وهو الصحة.
الوجه الثاني: أنا أجمعنا على وجود النهي حيث لا صحة، كالنهي عن بيع الملاقيح والمضامين، وبيع حبل الحبلة، وكالنهي عن الصلاة في أيام الحيض، بقوله، صلى الله عليه وسلم: دعي الصلاة أيام إقرائك والنهي عن نكاح ما نكح الاباء بقوله تعالى:
* (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * (4) النساء: 22) ولو كان النهي مقتضيا للصحة، لكان تخلف الصحة مع وجود النهي على خلاف الدليل وهو خلاف الأصل، وسواء كان لمعارض أو لا لمعارض.
فإن قيل: إذا نهى الشرع عن صوم يوم النحر وعن الصلاة في الأوقات والأماكن المكروهة، وعن بيع الربا، فالأصل تنزيل لفظ الصلاة والصوم والبيع على عرف الشارع، وعرف الشارع في ذلك إنما هو الفعل المعتبر في حكمه شرعا، فلو لم يكن التصرف المنهي عنه كذلك، لما كان هو التصرف الشرعي وهو ممتنع.
قلنا: أولا لا نسلم وجود عرف الشرع في هذه الأسماء، لما سبق، وإن سلمنا أن له عرفا، لكن في طرف الأوامر أو النواهي؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع.
وعلى هذا، فالنهي إنما هو عن التصرف اللغوي دون الشرعي، وإن سلمنا عرف الشارع في هذه الأسماء، ولكن لا نسلم أن عرفه فيها ما ذكروه، بل ما هو بحال يصح ويمكن صحته، ويجب الحمل على ذلك جمعا بين الأدلة، ولا يلزم من كون التصرف ممكن الصحة، وقوع الصحة كيف وإن ما ذكروه منتقض بما ذكرناه من المناهي مع انتفاء الصحة عن منهياتها.