معرفا كقوله أعط زيدا درهما، أعط زيدا الدرهم فلا خلاف أيضا في كون الثاني مؤكدا للأول.
وإنما الخلاف فيما لم تكن العادة مانعة من التكرار، والثاني غير معرف، كقوله:
صل ركعتين، صل ركعتين. فقال القاضي عبد الجبار: إن الثاني يفيد غير ما أفاده الأول، ويلزم الاتيان بأربع ركعات، مصيرا منه إلى أن الامر الثاني، لو انفرد أفاد اقتضاء الركعتين، فكذلك إذا تقدمه أمر آخر، لان الاقتضاء لا يختلف.
وخالفه أبو الحسين البصري بالذهاب إلى الوقف والتردد بين حمل الامر الثاني على الوجوب، أو التأكيد للأول والأظهر أنه إذا لم تكون العادة مانعة من التكرار، ولا الثاني معرف، أن مقتضى الثاني غير مقتضى الأول.
وسواء قلنا إن مقتضى الامر الوجوب أم الندب، أم هو موقوف بين الوجوب والندب، كما سبق، لأنه لو كان مقتضيا عين ما اقتضاه الأول، لكانت فائدته التأكيد، ولو كان مقتضيا غير ما اقتضاه الأول، لكانت فائدته التأسيس، والتأسيس أصل، والتأكيد فرع، وحمل اللفظ على الفائدة الأصلية أولى.
فإن قيل إلا أنه يلزم منه تكثير مخالفة النفي الأصلي، ودليل براءة الذمة من القدر الزائد، وليس أحد الامرين أولى من الآخر، فهو معارض بما يلزم من التأكيد من مخالفة ظاهر الامر فإنه إما أن يكون ظاهرا في الوجوب أو الندب، أو هو متردد بينهما، على وجه لا خروج له عنهما، على اختلاف المذاهب، وحمله على التأكيد خلاف ما هو الظاهر من الامر. وإذا تعارض الترجيحان، سلم لنا ما ذكرناه أولا.
كيف وإنه يحتمل أن يكون للوجوب في نفس الامر، وفي تركه محذور فوات المقصود من الواجب، وتحصيل مقصود التأكيد، ولا يخفى أن تفويت مقصود التأكيد وتحصيل مقصود الواجب أولى.
وأما إن كان الامر الثاني معطوفا على الأول، فإن كان المأمور به مختلفا، فلا نزاع أيضا في اقتضائهما للمأمورين، أمكن الجمع بينهما أو لم يمكن. وإن تماثلا فالمأمور به إن لم يقبل التكرار، فالامر الثاني للتأكيد من غير خلاف، كقوله: صم يوم الجمعة، وصم يوم الجمعة وإن كان قابلا للتكرار فإن لم تكن العادة مانعة