فإن قيل: ما ذكرتموه في بيان امتناع خروج الوقت عن الدخول في مقتضى الامر معارض بما يدل على نقيضه، وبيانه من خمسة وجوه:
الأول: أنه إذا قال السيد لعبده اسقني ماء فإنه يفهم منه تعجيل السقي، حتى أنه يحسن لوم العبد وذمه في نظر العقلاء بتقدير التأخير، ولولا أنه من مقتضيات الامر لما كان كذلك. إذ الأصل عدم القرينة.
الثاني: هو أن مدلول الامر، وهو الفعل المأمور به، لا يقع إلا في وقت وزمان، فوجب أن يكون الامر مقتضيا للفعل في أقرب زمان كالمكان، وكما لو قال لزوجته أنت طالق ولعبده أنت حر فإن مدلول لفظه يقع على الفور في أقرب زمان.
الثالث: أن الامر مشارك للنهي في مطلق الطلب، والنهي مقتض للامتثال على الفور، فوجب أن يكون الامر كذلك.
الرابع: أن الامر بالشئ نهي عن جميع أضداده، والنهي عن أضداد المأمور به مقتض للانتهاء عنها على الفور، وذلك متوقف على فعل المأمور به على الفور، فكان الامر مقتضيا له على الفور.
الخامس: أنه تعالى عاتب إبليس ووبخه على مخالفة الامر بالسجود لآدم في الحال بقوله: * (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك؟) * (7 الأعراف: 12) ولو لم يكن الامر بالسجود مقتضيا له في الحال، لما حسن توبيخه عليه، ولكان تلك عذرا لإبليس في تأخيره.
سلمنا عدم دلالة الامر على وجوب الفعل على الفور لفظا لكن لم قلتم إنه لا يكون مستلزما له بواسطة دلالته على أصل الوجوب؟ وبيان ذلك من وجوه أربعة:
الأول: أن الامر إذا دل على وجوب الفعل، فقد أجمعنا على وجوب اعتقاده على الفور، مع أن ذلك لم يكن مقتضى للامر، بل هو من لوازم مقتضاه فكان مقتضاه على الفور أولى لأصالته.
الثاني: أن إجماع السلف منعقد على أن المبادر يخرج عن عهدة الامر، ولا إجماع في المؤخر، فكان القول بالتعجيل أحوط وأولى.