وأما ما ذكرتموه من المعقول فلا نسلم أن قول الراوي قال رسول الله تعديل للمروي عنه، وذلك لأنه قد يروي الشخص عمن لو سئل عنه، لجرحه، أو توقف فيه، فالراوي ساكت عن التعديل والجرح، والسكوت عن الجرح لا يكون تعديلا، وإلا كان السكوت عن التعديل جرحا. ولهذا، فإن شاهد الفرع لو أرسل شهادة الأصل، فإنه لا يكون تعديلا لشاهد الأصل لما ذكرناه.
قولكم: لو لم يكن ظانا لعدالة المروي عنه، أو عالما بها، لما جاز له أن يجزم بالرواية عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قلنا: قد بينا إمكان الرواية عن الكاذب والجزم بالرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع تجويز كذب الراوي، وذلك قادح في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا تعذر الجزم، فليس حمل قوله (قال) على معنى (أظن أنه قال) أولى من حمله على (أني سمعت أنه قال) ولو حمل على (أني سمعت أنه قال) لم يكن ذلك تعديلا، وعلى هذا فلا يكون بروايته مدلسا ولا ملبسا.
سلمنا أن الارسال تعديل للمروي عنه، ولكن لا نسلم أن مطلق التعديل مع قطع النظر عن ذكر أسباب العدالة كاف في التعديل، كما سبق.
سلمنا أن مطلق التعديل كاف، لكن إذا عين المروي عنه ولم يعرف بفسق. وأما إذا لم يعينه، فلعله اعتقده عدلا في نظره، ولو عينه لعرفنا فيه فسقا لم يطلع المعدل عليه.
ولهذا لم يقبل تعديل شاهد الفرع لشاهد الأصل مع عدم تعيينه.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على التعديل، لكنه معارض بما يدل على عدم التعديل، وبيانه من ستة أوجه.
الأول: أن الجهالة بعين الراوي آكد من الجهل بصفته وذلك لان من جهلت ذاته فقد جهلت صفته، ولا كذلك بالعكس. ولو كان معلوم العين، مجهول الصفة، لم يكن خبره مقبولا، فإذا كان مجهول العين والصفة، أولى أن لا يكون خبره مقبولا.
الثاني: أن من شرط قبول الرواية المعرفة بعدالة الراوي، والمرسل لا يعرف عدالة الراوي له،، فلا يكون خبره مقبولا لفوات الشرط.
الثالث: هو أن الخبر كالشهادة في اعتبار العدالة. وقد ثبت أن الارسال في الشهادة مانع من قبولها، فكذلك الخبر.