وأما ما ذكرتموه من الترجيح، فهو معارض لما يتطرق إلى الخبر من احتمال كذب الراوي، وأن يكون في نفسه كافرا أو فاسقا أو مخطئا. واحتمال الاجمال في دلالة الخبر والتجوز والاضمار والنسخ، وكل ذلك غير متطرق إلى القياس.
وأيضا، فإن القياس يجوز به تخصيص عموم الكتاب، وهو أقوى من خبر الواحد، فكان ترك خبر الواحد بالقياس أولى، وأيضا، فإن الظن بالقياس يحصل للمجتهد من جهة نفسه واجتهاده، والظن الحاصل من خبر الواحد يحصل له من جهة غيره. وثقة الانسان بنفسه أتم من ثقته بغيره.
وأيضا، فإن خبر الواحد، بتقدير إكذاب المخبر لنفسه، يخرج الخبر عن كونه شرعيا، ولا كذلك القياس.
والجواب: قولهم إنكم خالفتم خبر معاذ، قلنا: غايته أنا خصصناه في صورة لمعنى لم يوجد فيما نحن فيه، فبقينا عاملين بعمومه فيما عدا تلك الصورة.
قولهم إن ابن عباس قد رد خبر أبي هريرة بالقياس فيما ذكروه، ليس كذلك.
أما رده لخبر غسل اليدين، فإنما يمكن الاحتجاج به، أن لو كان قد رده لمخالفة القياس المقتضي لجواز غسل اليدين من ذلك الاناء، وليس كذلك.
أما أولا، فلانا لا نسلم وجود القياس المقتضي لذلك. وبتقدير تسليمه، فهو إنما رده لا للقياس، بل لأنه لا يمكن الاخذ به. ولهذا قال ابن عباس: فماذا تصنع بالمهراس. والمهراس كان حجرا عظيما يصب فيه الماء لأجل الوضوء. فاستبعد الاخذ بالخبر لاستبعاده صب الماء من المهراس على اليد. وقد وافق ابن عباس على ما تخيله من الاستبعاد عائشة حيث قالت: رحم الله أبا هريرة لقد كان رجلا مهذارا، فماذا يصنع بالمهراس؟.
وأما تركه لخبر التوضي مما مست النار، فلم يكن بالقياس، بل بما روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه أكل كتف شاة مصلية، وصلى، ولم يتوضأ. ثم ذكر القياس بعد معارضته بالخبر.