على أنه لا يبعد عموم ملاك استحقاق العقاب لذلك أيضا، ولو فرض عدم العقاب عليه فهو من باب الاسقاط للتفضل منه تعالى، على ما سيأتي الكلام فيه في التنبيه الأول إن شاء الله تعالى.
نعم، لا يبعد اختصاص ذلك بالمولى الحقيقي الواجب الإطاعة عقلا، الذي يكون الخضوع له من حقوقه والتمرد عليه ظلم له، أما الموالي العرفيون أو السلاطين ونحوهم ممن يسطو بقوته فالظاهر أن العقلاء لا يرون لهم العقاب بمقتضي سلطنتهم إلا في ظرف المخالفة الحقيقية، وأما مع الخطأ فلا موضوع له، إذ نفس التمرد ليس مما يستهجن عقلا بالفرض حتى يستحق عليه العقاب، وإنما السبيل للمكلف مع مخالفة تكليفه، فمن فرض عدم المخالفة لا موضوع للعقاب.
ومن ثم لا نلتزم بأن العقاب المستحق بالتجري على المولى الأعظم هو المجعول على المعصية الحقيقية الذي أوعد به، لان موضوع الجعل والوعيد مخالفة التكليف الواقعي لا ما يعم التجري، فلا يستحق العبد بالتجري إلا العقاب في الجملة، مع إيكال تقديره للمولى الأعظم المحيط بموازين العدل.
وبالجملة: استحقاق العقاب مع التجري إنما هو في ما إذا كان لزوم الطاعة وترك المعصية بحكم العقل المبني على التحسين والتقبيح من حيث كونهما من حقوق المولى اللازمة له، وتركهما ظلم له، ولا يفرق في ملاك ذلك بين المعصية الحقيقية والتجري، بخلاف ما إذا كان بملاك دفع الضرر من حيث ترتب العقاب الموعود على المعصية، لان موضوع الوعيد هو المعصية الحقيقية، لا ما يعم التجري.
وإذا عرفت هذا، فلا يهم الكلام في أن القبح في التجري فاعلي فقط، أو فعلي أيضا، إذ عدم استحقاق العقاب مع القبح الفاعلي إنما هو لأجل المرتكزات العقلية المدعاة في المقام، فلا معنى للخروج بها عما عرفت من