كونه [الأفضل] المختار ومع ذلك كان نفس وجوده راجحا حتى مع عدم اختياره إلا الأول الأفضل، بدعوى أن الغرض من عمل المكلف بعد ما كان إقدار المولى على اختياره ربما يكون توسعة الإقدار للمولى بتوسعة اختياره أيضا مرغوبا لدى المولى، وان كان الوافي بغرضه اللزومي ليس إلا إقدار ما تعلق به اختياره. ففي مثل هذا الغرض يجمع بين وقوع الثاني واجبا عند أفضليته ومستحبا عند [عدمها]، كما لا يخفى.
ثم إن من التأمل في ما ذكرنا ظهر أن باب المعادة ليس من باب كون المصلحة مقتضية للإرادة، بل من باب أن المأمور به بجامعة علة للقدرة التي هي الغرض التبعي الناشئ عن الغرض الأصلي، وهذا الغرض التبعي متعلق للإرادة في فرض اختيار المولى لمورده دون غيره وان كان توسعة القدرة والاختيار للمولى أيضا [أمرا مرغوبا] في نفسه، بل في كلية المقامات لا يتصور اقتضاء المصلحة مع فعلية الإرادة إذ مع وجود المانع لا يعقل تأثيره في فعلية الإرادة ومع عدمه فيكون المقتضي علة تامة للتأثير لا مقتضيا محضا.
وكيف كان نقول: مهما كان العمل وافيا بالمصلحة الفعلية الداعية للأمر سواء كان تمام المؤثر أو جزأه المنضم إليه فمجرد اتيانه موجب لسقوط غرضه وأمره من دون فرق في ذلك بين باب المعادة وغيره.
وخلاف الجبائي الأشعري [غير] القائل بالمصالح والمفاسد وان امره تعالى ونهيه تحت حيطة سلطانه فينهى بما يريد ويأمر بما يشاء ويبقى امره ولو مع اتيان عبده ما امر به، وربما يرفع امره عما أمر به بلا تغيير في موضوع أمره إنما يناسب مذهبه الفاسد وزعمه الكاسد.
وربما يلتزم بما هو أعظم من ذلك ولقد تقدم شطر من كلامهم في مسألة الطلب والإرادة وعرفت هناك وجه فساد خيالهم وبطلان مقالهم ولا يستأهل هنا ردا زائدا عما ذكر هناك فراجع.