[بحث في الطلب والإرادة] بقي في المقام شئ آخر وهو ان الطلب المأخوذ في [حقيقته] هل هو عين الإرادة أم غيره؟.
كانت هذه الجهة معركة الآراء بين الأعلام، وعمدة من ذهب إلى المغايرة الأشعريون لشبهة حصلت لهم في وحدتهما.
وعمدة ما أوقعهم في الوهم زعمهم الفاسد بان العباد مجبورون في أفعالهم، وهو أيضا أساس إنكارهم التحسين والتقبيح في أفعال العباد عقلا، نظرا إلى أن موضوع حكم العقل هو الفعل الاختياري وحيث لا اختيار لهم في أفعالهم فلا مجال لتحسينهم في عملهم عقلا ولا تقبيحهم فيه، بل الله يفعل في حقهم ما يشاء بسلطانه فيعاقب المطيع ويثيب العاصي بلا قبح في نظر العقل في الفعلين ولا حسن في عكسهما لان ذلك كله تحت حيطة سلطته وقدرته فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وحينئذ فمن نتائج هذا الزعم والخيال استحالة تعلق الإرادة الأزلية بفعل المخلوق الا وهو صادر لأنه إذا أراد [شيئا] أن يقول له كن فيكون، ولازمه حينئذ عدم تصور العاصي في العباد، فمع تحققه وجدانا يكشف عن عدم تعلق الإرادة الأزلية في مورد الأوامر والنواهي [المتوجهة] إليهم.
ولا محيص لهم بالالتزام بمعنى آخر غير الإرادة حذرا عن كون الخطابات المزبورة لقلقة لسان، وسمي المعنى الآخر بالطلب.
والتزموا أيضا بامكان تعلقه بالمحال وبغير المقدور، بل وبجواز أمره مع علمه بانتفاء شرط المأمور به كأمر إبراهيم بذبح ولده مع أن الجليل ينهى السكين عن تأثيره في قطع الأوداج وعدم قدرة إبراهيم [على الذبح] المزبور.
وحينئذ ربما يستشكل في تصوير هذا المعنى الأخير المسمى بالطلب بأنه