استناده إلى الدليل رأسا، وأما إذا علم استناده إلى الدليل إجمالا لكن لم يذكر تفصيل الدليل على ما هو المفروض في المقام فليس الحكم به حكما بغير دليل، لوضوح كونه حينئذ حاصلا عن الدليل مستندا إليه وإن لم يذكر حين الحكم تفصيله، كيف ولو كان ذلك مانعا عن الحكم لكان نسيان تفصيل الدليل قبل حكمه في الواقعة الأولى مانعا عن الاعتماد عليه بالنسبة إليها أيضا، ولا قائل به ظاهرا.
حجة القول الرابع: أن مزيد القوة بكثرة الاطلاع والممارسة والاقتدار على استنباط وجوه الدلالة قاض بقوة احتمال اطلاعه على ما لم يطلع عليه في المرة الأولى، فلا يبقى له ظن بصحة ما حكم به أولا. ويمكن أن يستدل له أيضا بأن ظن صاحب القوة القوية أقرب إلى إصابة الواقع من غيره. ولذا قدم تقليد الأفضل على تقليد المفضول، فيكون ظنه الحاصل من الاجتهاد الثاني هو المتبع بالنسبة إليه دون ظنه الأول، فلا بد لتحصيله من تجديد الاجتهاد له.
ويرد على الأول: أن مجرد مزيد القوة لا يقضي بذلك، كيف! ومن البين عدم اختلاف الحال في الحكم في كثير من المسائل بين زيادة القوة ونقصها، بل ربما يقطع المجتهد مع زيادة القوة بعدم اختلاف فهمه للحكم سيما إذا تذكر تفصيل الأدلة، فلا حاجة إلى المراجعة الجديدة.
ومنه يظهر الجواب عن الوجه الثاني لاختلاف المسائل في ذلك، فلا يتم إطلاق القول بوجوب تجديد النظر مع زيادة القوة.
والذي يقتضيه التحقيق في المقام أن يقال: إن الإفتاء الثاني إما أن يكون عقيب الأول من غير تراخ عنه أو مع التراخي، مع استحضاره لدليل المسألة واستقصائه فيه - بحيث يعلم عدم تغيير رأيه مع تجديد النظر كما يتفق في كثير من المسائل - أو عدمه بأن يكون ناسيا للدليل أو يحتمل تجدد رأيه بتجدد النظر. فإن كان الإفتاء الثاني عقيب الأول الحاصل عقيب الاجتهاد في المسألة فالظاهر أنه لا مجال للتأمل في عدم توقفه على النظر الجديد، إذ المفروض وقوع الإفتاء المذكور عقيب النظر والاجتهاد وإن سبقه الإفتاء الأول، إذ لا يعقل مانع من