وذلك إنما يتم بالنسبة إلى المتفطن. وأما الجاهل الغافل فلا يتعلق به الأمر بهذا التميز حسب ما عرفت في الصورة الأولى، ولا عصيان بالنسبة إليه في التلبس بتلك الأفعال وافقت الواقع أو لا، فلا باعث على فسادها مع توافقها وتحقق قصد التقرب بها.
فإن قلت: إن وافق عباداته ما هو المعلوم من الواقع كان الحال على ما ذكرت.
وكذا الحال لو وافق فتاوى جميع الأحياء، وأما إذا وافق خصوص فتوى المجتهد الذي قلده فيه فمن أين يثبت صحته؟ إذ غاية الأمر ثبوت ذلك الحكم عليه من حين أخذه بقوله وبناء عمله على فتواه، وذلك لا يصحح عمله الواقع قبل ذلك.
قلت: إن قول المجتهد حجة شرعية بالنسبة إليه وطريق شرعي له في استكشاف الواقع والوصول إليه، فهو بمنزلة الظن الحاصل من الأدلة بالنسبة إلى المجتهد، فإذا ثبت أن ذلك هو حكم الله في شأنه جرى عليه بالنسبة إلى المتقدم والمتأخر.
فإن قلت: إن غاية ما ثبت من الأدلة حجيته عليه بعد الأخذ به دون ما قبله، إذ هو القدر الثابت من الاجماع وغيره، فلا وجه للحكم بصحة العمل الواقع قبل الأخذ به من جهة التقليد اللاحق.
قلت: إن هناك صحة للعمل وحكما به والتقليد إنما يفيد الحكم بها دون نفس الصحة، فإن الصحة الواقعية تتبع الأمر الواقعي، والحكم بالصحة إن ثبت بالتقليد أو الاجتهاد إنما يفيد الحكم الظاهري، فغاية الأمر أن حكمه بالصحة إنما يكون بعد تقليده، وذلك الحكم كما يتعلق بالحال أو الاستقبال كذا يتعلق بالماضي أيضا.
فالحكم وإن ثبت في الحال إلا أن المحكوم به هو ما وقع منه في الماضي وهو المطلوب. والقول بتخصيصه بالأولين خلاف المستفاد من الأدلة الدالة على حجية ظن المجتهد ولزوم أخذ العامي به، فإنه لا تفصيل فيه بين الوجوه المذكورة أصلا.
هذا وإن وجدها مخالفا لفتواه قضى ذلك بعدم تحقق الامتثال وبقاء الشغل على حاله، فإن كان الوقت باقيا أو لم يكن الواجب موقتا وجب عليه الإعادة