والحق انتفاء الاثم عنه مع عدم تقصيره في استنباط الحكم، كما مرت الإشارة إليه. وكذا الحال بالنسبة إلى مقلده إذا رجع إليه أو إلى غيره ممن يعتقد كون المسألة قطعية، وأما إذا رجع إلى من يعتقد كونها اجتهادية فحكم بصحة ما فعله اجتزى به، ولا يلزمه الرجوع إلى المفتي الأول إلا أن يكون قد تعين عليه تقليده من جهة أخرى، ووقوع عباداته على مقتضى الأمر لا يقضي بصحتها، لكون الأمر ظاهريا صرفا وهو لا يقضي بالإجزاء بعد انكشاف الخلاف. وإن ظن خلاف ما أفتى به أو تردد فيه مع قضاء أصول الفقاهة عنده بخلاف فتواه السابق جرى حكم العدول في المسائل الاجتهادية بالنسبة إليه، لاندراج المسألة في جملتها بحسب اعتقاده. وكذا الحال فيمن قلده إن رجع في ذلك إليه أو إلى من يوافقه في ذلك. وإن رجع إلى من يعتقد كون المسألة قطعية جرى عليها حكمها المتقدم من البناء على الفساد، كما أنه يحكم بعدم ترتب الآثار على العقود والإيقاعات المفروضة الواقعة عن المجتهد المفروض ومن قلده في ذلك، إذ أقصى ما يترتب على الاجتهاد حينئذ ارتفاع الاثم، وأما الصحة الشرعية فلا، كما عرفت.
وإن كانت المسألة اجتهادية لكن بلغ اجتهاده الثاني إلى حد القطع بفساد الأول، فالذي نص عليه بعضهم هو الحكم بفساد ما أتى به من العبادات الواقعة على النحو المذكور، فيجب عليه الإعادة والقضاء فيما يثبت فيه القضاء بالفوات، ويدل عليه ما أشرنا إليه في الصورة المتقدمة وهو الأظهر. وظاهر بعض فضلاء العصر عدم وجوب الإعادة والقضاء في المقام وفي المسألة المتقدمة أيضا - نظرا إلى قضاء الأمر بالإجزاء وعدم تكليفه بغير ما أدى إليه الاجتهاد، إذ المفروض بذل وسعهم في فهم المسألة - وهو ضعيف، لما عرفت من كون تكليفه بما أدى إليه ظنه ظاهريا فلا يراد منه الأخذ بالظن إلا من حيث كونه كاشفا عن الواقع موصلا إليه، والفعل المفروض مطلوب شرعا من حيث إنه واقع لا من حيث ذاته ولو مع مخالفته للواقع، فلما كان ذلك قبل انكشاف الخلاف محكوما في الشرع بأنه الواقع كان مجزيا، فبعد انكشاف المخالفة لا يمكن الحكم بأداء الواجب، فيجب عليه