المجتهدين قد تصيب الواقع وقد تخطئه. وهذا مما اتفق عليه أصحابنا واتفقوا مع ذلك على وجوب العمل بظنه، إذ لا منافاة بين عدم إصابة الظن للواقع ووجوب العمل بمؤداه، كما هو الحال في سائر الطرق المقررة في الشريعة فلا تغفل.
ومنها: أن الدليل الدال على وجوب عصمة الإمام (عليه السلام) قاض بعدم جواز الرجوع إلى الظن، فإنهم قالوا باعتبار العصمة في الإمام (عليه السلام) من جهة حصول الاعتماد بقوله والوثوق بما يؤديه. فقضية ذلك أن لا يجب اتباع ما لا يقطع مصادفته للواقع ويحتمل فيه انتفاء الإصابة نظرا إلى العلة المذكورة، فكما أن جعل الإمام حجة يقضي بعصمته فيكون كلامه مفيدا للقطع وحجة قاطعة للعذر في الكشف عن الواقع، كذا كون سائر الوجوه والأدلة حجة على المكلف يتوقف على كونها مفيدة للقطع كاشفة عن الواقع ليكون قاطعة لعذر المكلف.
ومن البين أن رأي المجتهد مما لا وثوق بكشفه عن الواقع بالنسبة إلى المجتهد نفسه فكيف لغيره.
وفيه أولا: أن ذلك منقوض بما يذهب إليه الأخبارية من جواز رجوع الجاهل إلى العالم والبصير بالأخبار، وكذا اعتماد العالم بقول الثقة.
ومن البين أن قول الواحد لا يفيد العلم بالواقع ولو فرضنا حصول العلم بوثاقته بالمعاشرة الباطنة الموصلة إلى درجة اليقين بالعدالة مع أنه في كمال الندرة، لعدم بلوغه بذلك إلى درجة العصمة. كيف! ولو كان كذلك لاكتفى بذلك في الإمام أيضا فكيف مع الاكتفاء فيها بحسن الظاهر كما هو المذهب، إذ لا يقطع معه بحصول العدالة فضلا عن القطع بمطابقة ما يحكيه للواقع. فلو تم ما ذكروه لقضى باعتبار العصمة في الوسائط التي بين المكلف وبين الإمام في زمان الحضور وفي أزمنة الغيبة، مضافا إلى أن القواعد المقررة في الشريعة لاستكشاف أحكام الموضوعات - كأصالة طهارة الماء، وأصالة صحة فعل المسلم، وقبول إخبار ذي اليد ونحوها - لا يفيد قطعا، مع أن الشارع حكم بجواز الرجوع إليها اتفاقا من الفريقين، بل إجماعا من المسلمين. وكذا الحال في استصحاب حكم العموم إلى