المتعلق بالموضوع الواحد من جهة انكشاف خلاف ما ثبت أولا، كما عرفت في المثال المذكور، فكما يحكم هناك بالحل في وقت وبالحرمة في وقت آخر مع كون الحكم الواقعي المتعلق بذلك الموضوع المعين شيئا واحدا لا يختلف بحسب اختلاف العلم والجهل به فكذا في المقام، وكما أن ذلك لا يقضي بانقطاع حكم الشريعة وخروجه عن التأبيد فكذا الحال في محل الكلام.
وأما ثالثا: فبأنه إن أراد بقوله " كل حكم اجتهادي قابل للتغيير " أنه قابل للتغيير بالنسبة إلى الموضوع المفروض حينئذ مع جميع خصوصياته فممنوع، ضرورة أنه ما دام المجتهد باقيا على حاله الأول لا يمكن تغيير ذلك الحكم في شأنه أصلا. وإن أراد أنه قابل للتغيير في الجملة ولو بسبب تغير حاله، كأن يصير ظانا بخلاف ما ظنه أولا فمسلم ولا مانع منه، ضرورة أن أبدية الأحكام لا تقضي بعدم اختلافها بحسب اختلاف أحوال المكلفين. كيف! واختلاف صلاة الحاضر والمسافر، والصحيح والمريض، والقادر والعاجز، من الضروريات، ولا منافاة فيه لأبدية الأحكام الثابتة بالضرورة أصلا فكذا الحال في المقام.
وأما رابعا: فبأنه إن أراد بكون كل حكم اجتهادي قابلا للتغيير أن ما يحكم به المجتهدون من الأحكام قابل للتغيير فهو ممنوع، بل فاسد، لأن ما يدركه من الأحكام غير قابل للتغيير عما هو عليه، فإنه إن كان ما أدركه مطابقا للواقع لم يكن قابلا للتغيير عما هو عليه وإن أدرك بعد ذلك خلافه. غاية الأمر أن يكون معذورا في خطئه فيه ثانيا، وإن كان غير مطابق للواقع فكذلك أيضا، غاية الأمر أن يكون معذورا في خطئه فيه أولا.
وإن أراد به أن نفس حكمه وإدراكه قابل للتغيير، بأن يدرك ثانيا خلاف ما أدركه أولا فيزول إدراكه الأول ويخلفه الثاني فمسلم، ولا يلزم من ذلك أن يكون إدراكه مطلقا منافيا للشريعة الأبدية، كما هو قضية الكلية المدعاة، إذ قبول الإدراك للتغيير إنما يقضي بعدم الملازمة بينه وبين إصابة الواقع، لأنه لا يكون مصيبا للواقع مطلقا. وحينئذ فأقصى ما يلزم من الدليل المذكور أن ظنون