جواز الأخذ بالأدلة الظنية، ضرورة أن الظن مما يتغير ويتبدل، وحرام الله وحلاله مما لا تغير فيه ولا تبديل.
وقد قرر بعضهم هذا الوجه بهذه الصورة، وهي: أن كل حكم اجتهادي قابل للتغيير، وكل حكم قابل للتغيير مخالف للشريعة الإسلامية الأبدية، فينتج أن كل حكم اجتهادي مخالف للشريعة الإسلامية.
ووهنه واضح، أما أولا: فبأنه منقوض بما يحكم به الأخباريون، لجواز الرجوع عن الحكم بالنسبة إليهم أيضا، كما إذا عملوا بالعموم ثم عثروا بعد ذلك على خبر يخصصه، أو فهموا أولا من الخبر حكما ثم عدلوا عن فهمهم. وإنكار إمكان ذلك في شأنهم مكابرة ظاهرة. وحينئذ فنقول: إن حكم الأخباري قابل للتغيير إلى آخر ما ذكر.
وأما ثانيا: فبأنه لو تم فإنما يتم لو قلنا بكون ما يفيد الظن هو حكم الله الواقعي ليكون الأخذ بالظنون هو المطلوب الأول. وأما إذا قلنا بكون الأخذ به مطلوبا من حيث كشفه عن الواقع وكونه طريقا إليه - ليكون حكما ظاهريا كما هو المذهب عندنا - فلا، إذ تغيير الأحكام الظاهرية غير عزيز في الشريعة. وقد اتفق عليه الفريقان، كما إذا وجد شيئا في أسواق المسلمين فحكم بحله ثم علم بعد ذلك كونه حراما، أو أخذ لحما من يد مسلم ثم علم كونه لحم خنزير أو ميتة، فإن حكمه بالحل أولا حكم ظاهري قد انكشف بعد ذلك خلافه. ولو جعل كل من الحل والحرمة المتعلقين بالموضوع الواحد حكما واقعيا في المقام فمع وضوح فساده يجري الدليل المذكور بالنسبة إليه أيضا، فلا بد من الالتزام بفساده والقول بعدم جواز الأخذ بأحد الحكمين المذكورين، وهو واضح الفساد.
فظهر أنه لا دلالة لأبدية الأحكام على عدم جواز الأخذ بالاجتهاد القابل للتغيير، إذ لا يتوهم أحد نسخ الحكم بعد رجوع المجتهد عنه حتى يلزم انقطاع الحكم وخروجه عن التأبيد، بل ليس اختلاف الحكم من جهة الاختلاف في الاجتهاد والرجوع عن الحكم الأول إلا ظاهريا، كاختلاف الحاصل في الحكم