ومنها: أنه يتفرع على بناء التكاليف على الظنون وجوه من الفساد: من إثارة الفتن وإقامة الحروب وسفك الدماء ونحوها، فلا يقع التكليف به من الحكيم. كيف!
وذلك من شبهات العامة في الاعتذار عما صدر من سلفهم من وجوه الفساد في الاسلام من إثارة الحروب وسفك الدماء وهتك الأعراض ونهب الأموال وغيرها.
ويدفعه: أن الأخذ بالطرق الظنية الشرعية على الوجه المعتبر في الشريعة لا يفضي إلى شئ من ذلك، بل نقول: إنها في الانضباط ليست دون الوجوه العلمية.
وجعل الاجتهاد الشرعي عذرا لإقدام أولئك على الفساد لا يقضي بفساد الرجوع إلى الاجتهاد، مع وضوح فساد دعواهم في ذلك الاستناد. كيف! وربما يعتذرون لهم بقطع كل منهم بشرعية ما يأتي به من الفساد، مضافا إلى اتفاق الفريقين على جواز العمل بالظن في الجملة بالنظر إلى الموضوعات. وإثارة الفتن وإقامة الحروب ونحوها إنما يتفرع في الغالب على ذلك دون نفس الأحكام الشرعية، واعتذار العامة عن سلفهم إنما هو بالنسبة إلى ذلك غالبا، فلو تم ذلك لقضى بعدم جواز الرجوع إلى الظن في ذلك ولا قائل به.
ومنها: أن الاجتهاد أمر خفي لابتنائه على الاستنباطات الخفية وعلى الملكة التي يقتدر بها على استنباط حكم المسألة وهي أيضا من الأمور الخفية النفسية، فلا يمكن أن يكون مناطا للأحكام الشرعية سيما بالنسبة إلى جميع الأمة.
ووهنه واضح، إذ لا خفاء في شئ من ذلك عند المجتهد، والعامي ليس وظيفته الرجوع إلى الأدلة، فلا ربط لخفاء وجوه الاستنباط لذلك، وعلمه بكون من يقلده بالغا درجة الاجتهاد يحصل بالرجوع إلى أهل الخبرة أو بغيره مما يجئ الإشارة إليه. فنفس الملكة وإن لم تكن ظاهرة إلا أن الطريق أمر ظاهر كما هو الحال في العدالة وغيرها من الملكات، مضافا إلى جريان ذلك على طريقة الأخباريين أيضا، إذ لا بد عند المحققين منهم في الرجوع إلى الأدلة الشرعية من الاقتدار على فهم الأخبار والجمع بينها والتمكن من رد الفروع إلى الأصول، وذلك أيضا من الأمور النفسية الغير الظاهرة. فلو كان ذلك مانعا لجرى في كل من الطريقتين.