على أنه لا يظهر من شئ من الأدلة القائمة عليه اعتبار لتلك الرجحانية في المقام، فالظاهر أن المراد بالأصل هنا هو القاعدة المستفادة من الأدلة الآتية، والمقصود بالنفي في المقام إن تعلق بالتكاليف انتفاؤه بالنسبة إلينا وعدم تعلقه بنا وبالنسبة إلى غيرها البناء على عدمه، والحكم بعدم ترتب شئ من الأحكام المتفرعة على وجوده.
فظهر أنه لا ارتباط للأصل المذكور بالواقع ولا يدل على نفي الحكم في نفس الأمر، وإنما يفيد نفي الحكم في الظاهر، ولو فرض حصول ظن هناك بانتفاء ذلك في الواقع فهو من المقارنات الاتفاقية، ولا مدخلية له في الحجية ولم يقم شئ من الأدلة المذكورة على حجية تلك المظنة.
نعم على القول بأصالة حجية الظن كما هو مختار بعض منا، والمعروف من طريقة مخالفينا يمكن القول بحجيته، وكأنه الوجه فيما يستفاد من العامة وغيرهم من أخذ الأصل فيه بمعنى الراجح غير أنه لا ينحصر الاحتجاج به في الصورة المذكورة، لما عرفت من جريانه عندهم في محل الشك وغيره.
ثم إن الفرق بينه وبين استصحاب حال العقل ظاهر مما قررنا، فإن الملحوظ في الاستصحاب استمرار حكم النفي بعد ثبوته أولا، وهاهنا لا يلحظ ذلك أصلا، بل يحكم بكون العدم أصلا حتى يثبت خلافه بالدليل.
نعم يصح الاستدلال بالاستصحاب في معظم موارده، إذ كما قضت القاعدة بالبناء على النفي حتى يثبت الوجود كذا يستصحب العدم القديم حتى يتبين المزيل، ولذا يجعل الاستصحاب من الأدلة على أصالة البراءة والإباحة كما سنقرر القول فيه.
والفرق بين الأصل المذكور والقاعدة الأخرى - المعبر عنها في كلامهم بأن عدم الدليل دليل العدم - أن تلك القاعدة إنما تفيد انتفاء الحكم في الواقع، ولذا خصها بعض المحققين بما يعم به البلوى، إذ عدم وصول الدليل في مثله دليل على انتفائه في الواقع، وهو دليل على انتفاء الحكم في الشريعة، إذ لو كان هناك حكم لبينه الشارع.