الظاهر، فقوله: إن ما لا يثبت إلا بقولك لا يقوم حجة إلا بعد ثبوت نبوتك، إن أراد به عدم قيامه حجة بحسب الواقع إلا بعد ثبوت نبوته ممنوع ولا ربط له بعدم وجوب النظر إلى المعجزة قبل قيام الدليل عليه في الظاهر، وإن أراد عدم قيامه حجة في الواقع إلا بعد إثبات نبوته علينا وإقامة الحجة عليها عندنا فهو ممنوع، بل فاسد، لوضوح وجوب اتباعه في الواقع بمجرد صدقه في دعواه وحكم الشرع هناك بالوجوب.
غاية الأمر أنه قبل النظر يكون جاهلا بحكمه، والجهل بالشئ لا يستلزم رفعه، كما أن الجهل بحكم العقل قبل النظر في الدليل لا يقضي بعدم الوجوب. بذلك يندفع ما ذكر في النقض المذكور، فإن وجوب النظر في المعجزة فرع حكم العقل واقعا بالوجوب لا علمنا بحكمه، ولا يستلزم ذلك وجوب اتباع كل من ادعى النبوة فإنا لا نقول بوجوب الاتباع واقعا إلا لمن كان محقا في دعواه بحسب الواقع.
وأنت خبير بوهن كل من الوجهين المذكورين:
أما الأول: فبأن ضرورة العقل قاضية بوجوب النظر في المعجزة بعد دعواه النبوة وإبدائه وجوب اتباعه ولزوم الخسران العظيم على ترك متابعته وأن له بينة واضحة على دعواه يعرفها من نظر إليها، فإن وجوب النظر في مثله مما لا يقضي به ضرورة الفطرة الانسانية من دون حاجة إلى نظر وترتيب مقدمات، ضرورة حصول الخوف من الضرر من كلامه ووجوب التحرز مع خوف المضرة سيما مثل تلك المضرة العظيمة الدائمة من الضروريات الجلية والفطريات الأولية ولا يتوقف استفادة الصدق من المعجزة على شئ من المقدمات المذكورة، بل هي مما يتفرع عليها على سبيل الضرورة حسب ما مرت الإشارة إليه.
وأما الثاني: فبأن مجرد وجوبه في الواقع لا يوجب ارتفاع الإفحام.
وتوضيح المقام: أن هناك وجوبا واقعيا يتعلق بالمكلف على فرض علمه، فلو كان جاهلا لم يتعلق الحكم به في الظاهر وكان معذورا في عدم الأخذ به من جهة جهالته، ووجوبا تكليفيا يتعلق الحكم به في ظاهر الحال وإن لم يجب ذلك بحسب