ارتفاع الذم، فلا فرق في الحقيقة بين أخذ الحرج وعدمه في الحدين وأخذ الذم وعدمه فيهما كذلك، وكذلك الحال لو أخذ الثواب والعقاب في ذلك ويجري فيهما ما يجري في الأولين.
والحاصل: أن المدح والثواب ومطلوبية الفعل يساوق بعضها بعضا، كما أن الذم والعقاب والحرج متساوقة. فما أورده بعض الأفاضل في المقام: من أن ترتب الثواب والعقاب على الفعل مما لا يستقل به العقل إذ لا استقلال له في أمر الآخرة بين الاندفاع، إذ ليس المقصود في المقام الحكم بترتب الثواب والعقاب في الواقع، بل ليس المقصود إلا حسن الثواب والعقاب على فرض ورودهما على الفاعل، وهو لا يتوقف على الاعتقاد بالمعاد الجسماني أو ضرورة القول به بالنسبة إلى ما يدرك الحال فيه بالضرورة.
وقد ظهر بما قررنا أن للحسن عندهم تفسيرين.
أحدهما: أنه ما يترتب المدح أو ما يساوقه عليه.
والثاني: أنه ما لا يترتب الذم أو ما يساوقه عليه، فعلى الأول ينحصر الحسن في الواجب والمندوب، وعلى الثاني يشمل ما عدا الحرام من الأحكام.
وإلى الأول ينظر ما حكي عن بعض المعتزلة من تحديد الحسن على طريقتهم بأنه ما اشتمل على صفة توجب المدح والقبيح بأنه ما اشتمل على صفة توجب الذم، وما ذكره بعض الأشاعرة في حده من أنه ما أمر الشارع بالثناء على فاعله أو بالذم له.
وإلى الثاني ينظر الحد الآخر للمعتزلة، وهو أن الحسن هو الذي لا يكون على صفة تؤثر في استحقاق الذم، والقبيح هو الذي يكون على صفة تؤثر فيه. وكذا الحال في الحد المعروف عندهم وهو أن الحسن ما للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله، وأن القبيح ما ليس كذلك. ونحوه الحد المعروف من الأشاعرة من أن القبيح ما نهى عنه شرعا والحسن ما لا يكون متعلقا للنهي، وكذا الحد الآخر المذكور في كلام بعضهم من أن الحسن ما لا حرج فيه والقبيح ما فيه حرج، والظاهر أنهما