وقد يشكل الحال في المقام في القضاء والإفتاء، سيما في مسائل المعاملات، لدوران الأمر حينئذ بين محذورين، لكن الذي يقتضيه القاعدة المذكورة هو الحكم بعدم تعلق وجوب القضاء والإفتاء بنا، وإلا في ما ثبت وجوبه علينا بالدليل القاطع أخذا بمقتضى القاعدة العقلية المذكورة، وليس في الالتزام به خروج عن مقتضى الأدلة القاطعة القاضية بكوننا مكلفين فعلا بأحكام الشريعة في الجملة، فإنها لا تفيد كوننا مكلفين بالفعل بجميع التكاليف الواقعية وإن كانت معلومة إجمالا حسب ما مرت الإشارة إليه.
فظهر مما قررنا اندفاع ما يقال: من أن الاقتصار على القدر المتيقن من التكاليف لا يكتفى به في الخروج عن عهدة التكليف، للقطع الاجمالي ببقاء تكاليف اخر غير ما يقطع به على جهة التفصيل.
نعم قد يشكل الحال في الطوارئ الواردة كأحكام الشكوك ونحوها مما يقطع بتعلق التكليف هناك على أجد وجهين أو وجوه.
ويمكن دفعه بناء على الوجه المذكور بالتزام التخيير فيها بعد العلم بتعلق التكليف في الجملة وعدم قيام دليل على التعيين، حيث إن المقطوع به حينئذ هو أحد الوجهين أو الوجوه، فيقتصر في ثبوت التكليف بذلك المقدار ويتخير في أدائه بين ذينك الوجهين أو الوجوه، وبمثله يقال: إذا دار الواجب من أصله بين أمرين لا قطع بأحدهما مع القطع بتعلق التكليف بأحدهما كدوران الصلاة يوم الجمعة بين الظهر والجمعة، لكن البناء على جريان الأصل في مثل ذلك بعيد جدا، إذ كون الإتيان بكل منهما أداء للمأمور به غير ظاهر بعد دوران التكليف هناك بين الأمرين وكون القدر المعلوم من المكلف به هو أحدهما، لا أنه تعلق هناك أمر بالقدر الجامع بين الأمرين ليكون الشك في الخصوصية قاضيا بدفعها بالأصل، فيبقى التكليف بالمطلق هو القدر الثابت من المكلف به، فالموافق للقاعدة حينئذ هو البناء على تحصيل اليقين فيجب الإتيان بالفعلين، ولا مانع من الالتزام بالاحتياط في مثل الصورة المفروضة، ولا يقع ذلك إلا في صورة نادرة.