ثم إني أقول: إنه لو قرر الاستدلال بنحو آخر بأن يكون الاستناد فيه إلى مجرد انسداد باب العلم بعد ثبوت التكليف في الجملة كان ما أورده من قيام ما ذكر من الاحتمال غير ناهض في هدم الاستدلال، إذ نقول حينئذ: إن قضية حكم العقل بعد العلم بحصول التكليف في الجملة ولزوم الإتيان بالواجبات وترك المحرمات هو التخيير بين متعلق الوجوب وغيره ومتعلق المنع والإباحة ليتمكن من الامتثال بالفعل والترك، لتوقف دفع الخوف من الضرر عليه كما أنه يجب النظر إلى المعجزة بمجرد ادعاء النبوة لاحتمال كونه نبيا في الواقع، وترتب الضرر على مخالفته في الآجل. وحينئذ فكما أن ثبوت الحكم يحتاج إلى الدليل القاطع فكذلك نفيه أيضا.
فنقول: إن قضية انسداد باب العلم في المقام هو الرجوع إلى الظن، إذ هو الأقرب إلى العلم، فما ذكره من جواز أن يكون المرجع في الإثبات هو العلم ويحكم في ما عدا المعلوم، وإن كان مظنونا بالنفي لا وجه له، إذ هو أخذ بالوهم وتنزل من العلم إلى ما دونه بدرجات.
نعم إن قام الدليل عليه كذلك صح الإيراد المذكور حينئذ، فإبراز مجرد الاحتمال كما هو ظاهر كلام المورد غير كاف في المقام.
وإن ادعي قيام الدليل عليه كذلك كما يومئ إليه آخر كلامه فممنوع، سيما إذا حصل الظن بخلافه، إذ قضية التنزل من العلم هو الأخذ بما هو أقرب إليه في الإثبات والنفي من غير فرق.
وإن ادعي الاجماع على أصالة البراءة حتى يعلم النقل فهو أيضا مما لا وجه له، سيما في نحو ما ذكره من مسألة الجهر والإخفات بعد العلم بوجوب إحدى الكيفيتين، إذ لا يبعد في مثله الحكم حينئذ بوجوب التكرار كما نصوا عليه في صورة اشتباه الموضوع كالصلاة في الثوبين المشتبهين. ودعوى الاجماع هنا على السقوط وعدم الرجوع إلى الاحتياط مجازفة بينة.
ومن غريب الكلام ما صدر في المقام عن بعض الأعلام حيث إنه أورد