الرجحان إذ لا إشكال بل لا خلاف في الحكم بالاستحباب، فغاية الأمر أن يكون المقام من قبيل ذلك.
والحاصل: أن أصل البراءة بالنسبة إلى الظاهر حجة نافية للحكم فحاله حال الخبر النافي للحكم إذا قام الدليل على حجيته ووجوب العمل به في الظاهر، فكما أنا إذا علمنا بالإجماع ونحوه رجحان الفعل ودلت الرواية المفروضة على عدم المنع من الترك حكمنا بحصول الاستحباب فكذا في المقام من غير فرق في ما نحن فيه بصدده من ثبوت الحكم بالنسبة إلى الظاهر، وليس ذلك إثباتا للحكم بالأصل، إذ ليس قضية الأصل هنا سوى عدم المنع من الترك وبملاحظته مع الرجحان المعلوم الثبوت من الخارج يثبت الاستحباب، ولا يعد ذلك من قبيل الأصول المثبتة قطعا، كما لا يخفى.
ومن ذلك ظهر ما في قوله: أن حكم غسل الجمعة نظير الجهر والإخفات في التسمية، إذ بعد صحة جريان الأصل في غسل الجمعة حسب ما قررنا وعدم صحة جريانه بالنسبة إلى الجهر والإخفات للعلم بثبوت أحد التكليفين ومخالفة كل منهما للأصل من غير تفاوت بينهما في ذلك يتضح الفرق بينهما كمال الوضوح.
ومع الغض عما ذكرنا وتسليم دوران الأمر هناك أيضا بين حكمين وجوديين فجعلهما من قبيل واحد غير متجه، مع كون أحد الحكمين في مسألة الغسل أقل مخالفة للأصل، والآخر أكثر على خلاف مسألة الجهر والإخفات، إذ لا فرق بينهما في مخالفة الأصل بوجه من الوجوه.
وأما ثانيا فبأن ما ذكره: من أن المثال المناسب لما رامه نجاسة عرق الجنب من الحرام محل مناقشة، إذ رفع وجوب الاجتناب في المقام بالأصل حسب ما ذكره قاض بارتفاع جواز الاجتناب الحاصل في ضمنه على ما قرره من ارتفاع الجنس بارتفاع فصله. وأصل البراءة من المنع من ترك الاجتناب لا يقضي بكون جواز الاجتناب الثابت بالإجماع حاصلا في نفس الأمر في ضمن الكراهة أو الإباحة، فإن أريد بالأصل المذكور رفع المنع من ترك الاجتناب مع عدم الحكم