بين الأمرين في الأدلة المعتبرة في الجملة دون ما لا عبرة بها مع الانفراد فضلا عن المعارضة.
ثم إنه لو سلم فرض المسألة في صورة المعادلة بين دليلي القولين وعدم حصول مرجح لأحد الجانبين لم يقض ذلك بانتفاء المندوحة في المقام بوجه من الوجوه، إذ المفروض عدم حجية شئ من الظنين وكون وجودهما كعدمهما، فكيف ترتفع المندوحة من جهتهما؟ وما ذكره من أنه: " لو كان أحدهما راجحا...
إلى آخره " غير متجه، إذ مع كون الأصل رافعا للمظنون يكون رافعا لغيره بالأولى فكيف يجعل المرفوع بالأصل حينئذ خصوص المظنون؟ وحتى يكون المندوحة في المقام بأخذ مقابله وإن كان هو أيضا مخالفا للأصل كما هو المفروض في المثال.
وبالجملة أن بناء المورد على الأخذ بمقتضى الأصل في غير ما حصل اليقين به سواء كان ما يقابله مظنونا أو لا، وإنما فرض في المقام كونه رافعا للأدلة الظنية حيث إن الكلام وقع في ذلك، فلا يعقل أن يكون قوة أحد الظنين في المقام وضعف الآخر قاضيا بحصول المندوحة في الصورة المفروضة حتى يكون المرفوع بالأصل خصوص المظنون دون الآخر.
وأما الرابعة فبوجوه (1):
أحدها: أنه يمكن ترجيح البعض لكونه المتعين بعد فرض حجية الظن في الجملة، ودوران الأمر بينه وبين الأخذ بمطلق الظن.
وتوضيح ذلك أنه بعد ما ثبت بالمقدمات الثلاث المذكورة حجية الظن في الجملة لم يلزم من ذلك إلا حجية بعض الظنون مما يكتفى به في معرفة الأحكام بالقدر المذكور، لأن المهملة في قوة الجزئية، فإن كانت الظنون متساوية في نظر العقل من جميع الجهات لزم القول بحجية الجميع، لامتناع الحكم بحجية بعض معين منها من دون مرجح باعث على التعيين أو الحكم بحجية بعض غير معين منها، إذ لا يعقل الرجوع إليه في ما هو الواجب من استنباط الأحكام.